Articlesمقالات مختارة

كي لا يُساق الوطن الى الفوضى..


أمين أبوراشد

قال أحد المتظاهرين ليلة الثلاثاء الماضي، رداً على سؤال لمراسل ميداني: “كنا في منطقة جل الديب وطُلِب منا الحضور للدعم على الرينغ”. وهذه ليست مسألة جديدة في حراك الشارع منذ 17 تشرين، متى كان قرار المتظاهرين قطع الطرقات، بحيث يطلبون الدعم عبر وسائل التواصل كافة، لكن المُلفِت، أن هذا المتظاهر يأتي من أقصى الشمال للمشاركة في الأنشطة غُبّ الطلب.

ذكرنا جل الديب والرينغ تحديداً كَمِثال، لأن استقدام أشخاص مجهولين من منطقة الى أخرى عبر وسائل التواصل له محاذيره، بدليل، أن استقدام “دعم” من خارج منطقة جل الديب لإقفال طرقاتها الداخلية منذ أسابيع، ولَّد إشكالات وتضارب وإطلاق نار، ورَحَلت “فرقة الدعم الخارجي” تاركة لغاية الآن العداوات بين الأخوة وأبناء العمومة في البلدة الواحدة، على خلفية مَن كان مع الإقفال ومن كان ضِدَّه، ولم يتمكن لغاية الآن الساعون للصلح من رأب الصدع وإنهاء النفور.

كذلك الأمر ما حصل ويحصل على الرينغ، عندما طالب أبناء الخندق الغميق من المتظاهرين، الوقوف الى جانب الطريق وعدم قطع الطرقات، وأبناء الخندق يشاركونهم هذا الإعتصام السلمي، ورغم ذلك، بقي الرينغ من أكثر المناطق عرضة للإقفال، والوضع لولا حكمة العقلاء كاد يخرج عن السيطرة أكثر من مرة.

وإذا كانت ليلة الثلاثاء الماضي في شارع الحمرا، قد أفضت الى تدمير وتكسير لا مثيل له، فإن ما حصل من إشكالات ليلة الأربعاء بين بلدتي جديتا وجلالا على خلفية قطع الطرقات وتحطيم سيارات، أدى أيضاً الى احتقان بين أبناء البلدتين.

وإننا إذ ندين قطع الطرقات والإعتداء على الأملاك العامة والخاصة، نتساءل: التخريب المادي قابل للترميم ولكن، الخراب الإجتماعي في النفوس الذي أحدثته الإعتداءات لن ينتهي بتشكيل الحكومة والعودة الى الحياة الطبيعية، سيما وأن أصحاب الأجندات الخارجية ماضون في زرع الفتنة على غفلةٍ أو بتواطؤٍ من بعض جماعات الحراك.

ولادة الحكومة فرصة، ليس للبدء بإصلاح الوضع المالي والإقتصادي الخطير فحسب، بل لقراءة من المواطن اللبناني العادي لتداعيات ما حصل، والتمييز بين القوى والأحزاب التي دعمت الحراك المطلبي المُحِق، وبين تلك التي امتطت أكتاف هذا الحراك بعد اليوم الثالث من نزول الناس الى الساحات، لتنفيذ أجندات تخريب لبنان عبر حرب مالية وإقتصادية الى حدود التجويع، نسخةً أميركية مُطابقة بالتمام والكمال لما ارتكبته إدارة ترامب في فنزويلا مع اختلاف أهداف هذه الحرب على لبنان.

نعم، التمييز بين القوى والأحزاب مطلوب بعد تجربة الأشهر الثلاثة الأولى من بدء الحراك ولغاية انتهائه الى هذه الفوضى الحاصلة الآن، والمعايير واضحة للحُكم على الوقائع، ونحصرها بثلاث:

أداء القيادة الحزبية، الإعلام الحزبي المواكِب، وتصرفات القواعد الشعبية والبيئة الحاضنة، وبناء عليه، نترك للشعب اللبناني المُقارنة، بين أحزاب بقيادات واعية حكيمة أدركت حجم المؤامرة ونأت بنفسها عن الإستدراج الى الشارع، وإعلام حزبي مسؤول واكب التطورات بخطابٍ سياسيٍ وطنيٍ راقٍ، وجماهير حزبية مُنضبطة تحت راية قيادتها، وبين أحزابٍ من قيادتها الى إعلامها الى مُناصريها، جعلت من الحراك وقود ثورة تدمير لهيكل الدولة وبٌنيتها وتدمير الإقتصاد الوطني، والحُكم للشعب من الآن فصاعداً، كي لا يُساق الوطن الى الفوضى العارمة التي لا تُحمد عُقباها…

المصدر: موقع المنار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى