Featuredنخبة المقالات

الإنتخابات تلجم حرب ترامب على ايران… ونتنياهو على المقاومة ؟

د. عصام نعمان

عشية ما سُميّ ورشة “السلام من اجل الإزدهار” في البحرين وقمة الدول العشرين في اليابان، حذّر دونالد ترامب ايران من ان اي هجوم على المصالح الاميركية سيؤدي الى “ردّ ساحق” قد تكون نتيجته “المحو” من الوجود.
ما كان الرئيس الاميركي ليدّعي لنفسه قدرة إلهية على “المحو” من الوجود لو لم يكن متأكداً من ان ايران لن تهاجم المصالح الاميركية لأنها ليست بحاجة الى ذلك . غير ان ايران لن تَتَردَد في مهاجمة وسائل الحرب الأميركية عندما تُستعمل للإعتداء عليها او اختراق مجالاتها السيادية. ألم تُسقط طهران مؤخراً طائرة تجسس مسيّرة لأميركا اخترقت مجاليها الجوي والبحري؟
ترامب لا يريد الحرب فعلاً لأنها مكلفة جداً ، ولأن العقوبات الإقتصادية أفعل وأقل تكلفة في ظنه ، ولأن الحرب ــ وهذا سبب رئيس ــ قد تكلّفه خسارة معركة ولايته الرئاسية الثانية في العام المقبل.
بنيامين نتنياهو لا يقلّ عن ترامب تهيباً من الحرب . ولأنه يعرف تكلفتها الباهظة عند احتدام التوتر والإشتباكات الحدودية مع فصائل المقاومة في قطاع غزة عشيةَ الإنتخابات الإسرائيلية الأخيرة، فقد سعى مع السلطات المصرية الى ابرام تهدئة معها كلّفته تقديم تنازلات للفصائل لها صلة بالمتطلبات المعيشية لأهل القطاع.
ترامب ونتنياهو صقران في وسائل التواصل الإجتماعي ، لكنهما لا يترجمان بالضرورة تهديداتهما على الارض. واذا فعلا فإنهما يفعلان ذلك على نحوٍ لا يُضطر معه الخصم او العدو الى الردّ بقسوة وعلى مدى واسع . إنهما يحترفان اسلوب الإستنزاف الطويل الأمد الذي يستهدف الناس في عيشهم اليومي وأمنهم الإجتماعي ، ولا يلجآن الى الحرب المفتوحة إلاّ اذا كانا واثقين من انهما سيخرجان منها منتصرين. وهي امنية لم تتحقق قط.
ترامب ادرك اخيراً ان تصرفاته الغريبة وغراءبه المتكاثرة ، وسؤ أداء مساعديه ، عززت قدرة خصومه السياسيين والأعداء على الرد عليه بقوة وفعالية ما حمله على الإقتصاد في إنتهاج طريق المغامرة. غير ان إنتخابات الدورة الرئاسية الثانية تبقى اللاجم الأفعل لحماقاته ومغامراته. ولعله سيكون اكثر تحفظاً وهدؤا بعدما تكشّفت استطلاعات الرأي التي اجريت أخيراً عن حقيقة ساطعة هي عدم بلوغه المرتبة الثالثة بين المرشحين الديمقراطيين او الجمهوريين المتنافسين ، ولاسيما ازاء نائب الرئيس الديمقراطي السابق جو بايدن .
نتنياهو أقل حماقة من ترامب بالتأكيد ، لكنه اكثر حذقاً منه في استغلال المخاطر الامنية للترويج لشخصه ولدعم سياساته . مع ذلك لم تسعفه حساباته السياسية والامنية في انتخابات نيسان/ابريل الماضية اذْ لم يستطع الظفر بأكثرية متجانسة تتيح له تأليف حكومة ائتلافية. ذلك دفعه الى توليف اكثرية اجرائية وافقت على حلّ الكنيست وتحديد موعد لإجراء انتخابات نيابية جديدة في 16 ايلول/ سبتمبر المقبل. غير ان الظروف السياسية والامنية تبدّلت لغير صالحه بعد نفاذ قرار الحل، فإذا به يسعى الآن الى توليف اكثرية توافقه على إلغاء قرار حلّ الكنيست بغية إحيائه والابقاء عليه وبالتالي عدم إجراء انتخابات جديدة . لماذا ؟
لأن معارضي نتنياهو من احزاب الوسط وبعض احزاب اليمين اصبحوا اكثر قدرةً على منافسته وربما التغلّب عليه. ليس أدل على ذلك من نتائج استطلاع الرأي العام الذي أجرته قناة التلفزة الإسرائيلية 13 وأُعلنت يوم الاربعاء الماضي وبيّنت انه في حال إجراء الإنتخابات العامة للكنيست الآن ، سيحصل معسكر احزاب الوسط–اليسار والاحزاب العربية على اغلبية 61 مقعداً من مقاعده الـ 120. ولعل من أهم اسباب التغيير الحاصل في اوساط الرأي العام ان اعلان رئيس الحكومة السابق ايهود باراك تشكيل حزب جديد بغية خوض الإنتخابات من شأنه تغيير صورة الاوضاع الحزبية والسياسية في “اسرائيل” اذ سيحصل الحزب الجديد على 6 مقاعد ، بينما سترفع الاحزاب العربية المؤتلفة في قائمة مشتركة عدد مقاعدها من 9 الى 12 (صحيفة “هآرتس” 2019/6/27).
في الإنتخابات ، ولا سيما في دول الغرب والكيان الصهيوني ، يكرم السياسي او يهان. ولا شك في ان ترامب الذي يطمح الى اقامة “اميركا العظمى” ، يهمه جداً الفوز بولاية ثانية في خريف العام 2020 ولن يألو جهداً للجم نفسه عن ممارسة غرائب ومغامرات كالتي مارسها في مطلع ولايته ، كل ذلك بغية حماية نفسه من سخرية منتقديه ومعارضيه .
مثله نتنياهو : يريد ان يحفر اسمه عميقاً في ذاكرة الصهاينة كأطول رؤساء الوزراء عمراً في السلطة على نحوٍ يتجاوز ولاية ابرز مؤسسي الكيان الصهيوني دايفيد بن غوريون الملقّب بـ “النبي المسلّح”. طموح نتنياهو هذا يتطلّب عدم تعكير الإنتخابات بأي حرب قد تتسبب بخسارته . أليس هذا ما حدث لإيهود اولمرت في حربه الفاشلة على حزب الله العام 2006 ؟
غير ان لجم ترامب ونتنياهو للمشاعر والنزوات والمطامع لا يعني التوقف عن العدوان . فبموجب عقيدتهما العنصرية العدوانية يقتضي ان يبقى العدو مستنزَفاً ومنشغلاً عن الإنماء والاعمار برفع الأضرار والدمار . في هذا السبيل يتفق الرجلان على محاصرة الفلسطينيين وحلفائهم من العرب المقاومين بعقوبات اقتصادية صارمة ، ومشاغلتهم بحروب اهلية وفتن طائفية ومذهبية ، واستنزافهم بإشتباكات مسلحة ترمي الى إرهاق المجتمعات العربية وتعميق الفوارق الاثنية والمذهبية والإجتماعية فيما بينها وصولاً الى تقسيمها. كل ذلك يكون بتدويم الحروب والنزاعات الاهلية الدموية وتفكيك المجتمعات العربية لترتسم في ارضها وسمائها مشاهد الخنوع والخضوع والركوع. ألم يخضع العرب خلال 1400 سنة من تاريخهم بعد الإسلام لحكامٍ اجانب مدةً تزيد عن الف سنة ؟
وحدها المقاومة واجهت التحدّيات وتصدّت لإعداء الأمة في الداخل والخارج .
وحدها المقاومة نهضت وجاهدت وكسبت الرهان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى