Featuredمتفرقاتمقالات مختارة

سورية: الاحتلال الأميركي سيواجَه بالمقاومة الوطنية


العميد د. أمين محمد حطيط

وعد المرشح للرئاسة الأميركية دونالد ترامب مؤيديه أثناء حملته الانتخابية بإخراج الجيش الأميركي من سورية، لأنه لا يرى في وجوده مصلحة لأميركا. ولما تولَّى الرئاسة حاول وضع وعده موضع التنفيذ فتصدّت له أجهزة الدولة العميقة وحذّرته من مخاطر الانسحاب على المصالح الأميركية والأمن القومي الأميركي ومارست عليه الضغط الشديد حتى اضطر للتراجع الظرفي ووجّه الأمور بشكل يحفظ ماء وجهه فتباطأ في تنفيذ قرار الانسحاب من دون أن يتخذ قراراً بإلغائه متحيّناً فرصة تكون أفضل لتنفيذه.

انكفأ ترامب بعد قراره الأول فترة من الزمن ثم عاد ليعزف نغمة الانسحاب ذاتها بشكل بدا فيه إصرار أكبر على التنفيذ حيث تراءى أنه هذه المرة غير قابل للمراجعة وغير مستعدّ للوقوف على نصح أو رأي أو مشورة تُسدى إليه أو تأتيه من أحد في الداخل والخارج، فعقد اتفاقاً مع تركيا «منحها فيه الحق بإقامة منطقة أمنية في الشمال الشرقي السوري وعهد إليها بمتابعة المهمة في المنطقة بعد خروجه منها ودعا الأوروبيين للعمل مع تركيا والحلول مكان الجيش الأميركي فرفضوا، لكن ترامب قرّر هذه المرة جدياً إخراج جيشه من سورية بشكل كامل من دون إبطاء.

مقابل هذه الجدية تدخلت أيضاً أجهزة الدولة العميقة لثني ترامب عن قرار الخروج من سورية، لأنها تصرّ على أن هذا الخروج الآن قبل تحصيل شيء في المسألة السياسية، سيشكل كارثة استراتيجية تلحق بأميركا تتمثل بترجمة هزيمتها كلياً، ولم ترَ وسيلة للإقناع إلا العزف على وتر نقطة ضعف ترامب وإغرائه أي النفط، الذي يتباهى ترامب وبكلّ وضوح بأنه رجل يحب النفط ، فقيل له إنه إذا قرّر المضي بتنفيذ قراره بالانسحاب من سورية، فإنّ هناك خطراً يتهدّد آبار النفط التي قد تعود اليها داعش، ونصح بأن تضع أميركا يدها على آبار النفط عبر وجود عسكري مخفّض لا يتجاوز 600 عسكري أيّ ربع القوة الأميركية الموجودة في سورية كما هو معلن عنها حالياً. قوة تكون مهمتها الأساسية حماية عملية نهب النفط وفي ذلك تعويض لها عن خسائرها وقبض ثمن ما بذلته في مواجهة الإرهاب وتكون في مهمة إضافية هي تأمين الدعم لـ قسد الكردية. فاقتنع ترامب بهذا الاقتراح واعتمده خاصة أن فيه نفطاً يحصل عليه من دون أن تتحمّل أميركا أعباء جدية، فالمسألة لا تتعدى وجود 600 عسكري لتنفيذها.

نجحت الدولة العميقة مرة أخرى في منع الانسحاب الأميركي الكامل من سورية، واختلقت مهمة جديدة تبرر هذا الاستمرار وصنعت واقع احتلال مباشر لأرض سورية قد يدوم طويلاً ينفذ خلاله نهب للثروة السورية. جرائم ترتكبها منتهكة قواعد القانون الدولي العام، انتهاك تستند فيه الى قوتها الشاملة خاصة العسكرية منها، ما يجعلها تعمل خارج القانون مطمئنة الى عدم المساءلة، ولكن هل هي فعلاً بمأمن من الملاحقة او المواجهة كما تظنّ؟

في مقابلته الأخيرة مع الإعلام الروسي فجّر الرئيس بشار الأسد قنبلة مدوّية في وجه أميركا وجاءت في توقيت مناسب للغاية رداً على مشروع الاحتلال الأميركي لآبار النفط في الجزيرة السورية شرقي الفرات. قنبلة طرحت أسئلة كثيرة وسلّطت الأضواء على مستقبل الاحتلال الأميركي لأرض سورية ومآل النهب الأميركي للنفط السوري.

لقد توعّد الرئيس الأسد الجيش الأميركي المتبقي على الأرض السورية بمقاومة شعبية ينظّمها الشعب السوري وتدعمها الحكومة السورية. لقد هدّد الرئيس بالمقاومة الشعبية وهو لاعتبارات عسكرية وعملانية وموضوعية لم يذكر صراحة الجيش العربي السوري الذي يقوم الآن بحربه على الإرهاب الذي تمارسه تركيا ومرتزقتها بشكل مباشر عبر قواتها الرسمية أو غير مباشر عبر التنظيمات الإرهابية التي شكلتها وتدعمها.

لقد ميّز الرئيس الأسد في مواجهة الاحتلال بين القوات الأميركية المحتلة والقوات التركية المحتلة بفرعَيْها، وبواقعية تامة أسند أمر الاحتلال الأميركي للمقاومة الشعبية حتى لا يزجّ بالجيش العربي السوري في مواجهة غير متكافئة بينما تكون مواجهة الاحتلال التركي مع الجيش كما يواجه الغزو الآن وبالمقاومة إن اقتضى الحال. أما الاحتلال الأميركي فستكون المقاومة في مواجهته، مقاومة لا ترمي طبعاً الى «تدمير الجيش الأميركي» بل تهدف إلى إنتاج الألم في صفوفه وجعل كلفة الاحتلال مرتفعة الى الحد الذي يُرسي معادلة «النفط في مقابل الدم». وهي معادلة لا يتقبّلها الأميركي لأنها تجعل من كلفة الاحتلال باهظة ما يضطره الى الخروج. فهل قيام هذه المقاومة ممكن الآن؟

في القواعد العامة ومبادئ مواجهة الاحتلال، تتشكل المقاومة وتستمر حتى تحقيق أهدافها في مسرح عمليات معين إذا تحققت لها شروط ثلاثة: أولها رفض الاحتلال ونشوء الخليّة المقاومة التي تمتلك إرادة المواجهة والتضحية، ثانيها وجود البيئة الحاضنة التي تؤمن دعم الخلية ونموّها وحمايتها، ثالثها وجود الظهير خارج مسرح العمليات ظهير يؤمن الدعم المعنوي والمادي.

وفي الحالة السورية نجد أن هذه العناصر باتت حاضرة، حيث يمكن أن تتشكل الخلايا المقاومة من السوريين ممن خبروا القتال في سورية خلال الحرب الكونية أو من سوريين آخرين من سكان المنطقة المحتلة ومحيطها الذين يمكنهم الاستفادة من خبرات حلفائهم في محور المقاومة، أما البيئة فهي في طور التعافي وطنياً خاصة بعد مواقف شيوخ العشائر العربية مؤخراً، ويبقى الظهير والدعم فهو عنصر تؤمّنه الدولة السورية وحلفاؤها في محور المقاومة ولديهم جميعاً الخبرة الكافية في دعم المقاومات في الجنوب اللبناني، حيث طرد المحتل الإسرائيلي في العام 2000 وفي العراق حيث طرد المحتل الأميركي في العام 2011.

ولا بدّ من التذكير هنا بفكرة رائدة أطلقها الرئيس الأسد مؤخراً عندما أكد أهمية المصالحة الوطنية وتمتين أواصر الوحدة الوطنية السورية مهما كانت الأعراق والأديان والتأكيد على تماسك الشعب في شرقي الفرات في مواجهة الاحتلال حتى طرده، حيث رأى أن مثل ذلك سيغلق الأبواب والنوافذ والشقوق التي يتسرّب منها العدو الى الداخل، إغلاق قد يقنعه بالخروج ووضع حد لاحتلاله حتى دون قتال لأن ذهنية المحتل الأميركي لا تتقبل معادلة «الدم مقابل النفط»، بل تريد النفط بلا ثمن، و أي احتمال لنشوء مقاومة وفرض ثمن للاحتلال سيؤدي الى خروج المحتل، كما حصل في لبنان في العام 1982 حيث خرج المارينز مباشرة بعد عملية مطار بيروت التي استهدفت قاعدتهم وأوقعت الخسائر الجسيمة فيهم.

نقول هذا لنؤكد بأن سورية التي ستجد نفسها بعد الفراغ من مسألة إدلب الموضوعة على نار حامية لتطهيرها من الإرهاب، ستجد نفسها أمام احتلال أميركي لآبار نفطها وستجد أن ظروف تشكل المقاومة الوطنية لإخراجه باتت متوافرة بدءاً من إرادة رفض الاحتلال، وصولاً الى العناصر الأخرى بما فيها الوسائل والذخيرة والسلاح المتعدد الأنواع والأشكال من بندقية وحشوة ناسفة الى قذيفة من مدى قصير إلى صاروخ لمدى أبعد من دون إغفال الطائرات المسيّرة التي يمكن أن تطلق من مسافات قريبة ضد قواعد الاحتلال، ومع تهيّؤ العنصر الوطني المقاوم الذي يمتلك المعرفة التامة بالأرض والمؤهلات الكافية للقتال مع تحمل قسوة المناخ وتقلّبات الطقس.

وعليه نرى أن سورية التي تتقن تنظيم جدول الأولويات في سياق حربها الدفاعية ضد الإرهاب وداعميه المحتلين، أن سورية المنتصرة في هذه الحرب اختارت اللحظة المناسبة لتقول لأميركا قائدة العدوان وفّروا على أنفسكم الخسائر والهزيمة المباشرة واخرجوا من أرضنا وتوقفوا عن نهب ثرواتنا وإلا…

ونعتقد أن الأميركي سيفهم الرسالة السورية ويتصرّف بما يوفر دماء جنوده ولن يتأخر مشهد سوري يرتسم ولا احتلال أميركياً فيه.

أستاذ جامعي وخبير استراتيجي من لبنان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى