Featuredمتفرقاتنخبة المقالات

ذكرى حرب أكتوبر الـ (46).. وإرادة الانتصار..

د. جمال زهران

الأمر الذي ليس في محل شك، أن ما حدث في أكتوبر 1973م، كان إنجازًا عسكريًا غير مسبوق للجيش المصري، في سجل تاريخ العسكرية العالمية. فقد بنى العدو الصهيوني إدراكه على أساس استحالة العبور من الضفة الغربية إلى الشرقية، واستحالة أن تعبر قوات الجيش المصري قناة السويس حيث ينتظرهم على الضفة الغربية مصيرًا جهنميًا محتومًا!! فقد تصور هذا العدو، وفقًا لدراساته العسكرية أن العبور لأكبر مانع مائي بين طرفين متجابهين، يكلف الطرف المصري استشهاد عشرة آلاف مقاتل كحد أدنى، وأن العدو الصهيوني أعد صنابير النابالم التي ستفتح فور وصول القوات المصرية إلى منتصف مجرى قناة السويس، ومن ثم تتحول إلى جحيم!!
فضلاً عن ذلك فإن العدو الصهيوني قد شيد خطًا دفاعيًا على الضفة الشرقية بطول القناة من الشمال إلى الجنوب، سماه “خط بارليف”، وهو خط دفاعي حصين تفوق على خط “ماجينو” الذي يعرفه العسكريون، عشرة أمثال، وكان مزودًا بأحدث أنواع التسليحات العسكرية المتقدمة، التي تجعل من المستحيل على قوات الجيش المصري التفكير في العبور!! واستحالة تدمير خط بارليف، واستحالة تغيير الأوضاع، مع حتمية استمرار الحالة، واستمرار الاحتلال الصهيوني لسيناء التي تمثل نحو 6% من مساحة مصر (61/ ألف كم2)!!
على الطرف الآخر وهو الجيش المصري، ماذا أعد العُدة من أجل تحطيم هذه الاستراتيجية الصهيونية وتحقيق الانتصار على العدو الصهيوني الذي لا خيار حتمي غيره، وبشرط الكفاءة العسكرية وانخفاض الخسائر البشرية، وتحقيق إنجاز عسكري غير مسبوق في التاريخ العسكري العالمي. فماذا فعل هذا الجيش العبقري (سواء الجيش العربي الأول في سوريا بالجبهة الشمالية، والجيش الثاني والثالث في الجبهة الجنوبية (مصر)؟
1- التنسيق عالي المستوى بين الجبهتين المصرية والسورية، بحيث ينقسم الجيش الصهيوني بين الجبهتين، وكأنه يحارب بنصف قدراته على كل جبهة. فقد كان الجيش المصري يمتلك (43) لواء عسكري بحجم 2 مليون فرد، وفي المقابل الجيش السوري يمتلك نحو (25) لواء عسكري، على حين كان يمتلك الجيش الصهيوني نحو (30) لواء عسكري موزعين على الجبهتين، الأمر الذي يمكن كل جبهة من تحقيق إنجاز عاجل وبسرعة وهو ما حدث فعلاً، مما أربك العدو الصهيوني.
2- تم وضع خطة العبور لأكبر مانع مائي، بتصميم جسور العبور، والتي صممها المهندس مروان لوستان، السوري، الذي كرمه السادات ومنحه وسام الجمهورية المصري، وبماكينات المياه لفتح الممرات في الساتر الترابي الأمامي الذي يتحصن وراءه قوات الجيش الصهيوني في خط بارليف)، الأمر الذي يؤكد تلاحم الجبهتين الشمالية والجنوبية وكان من نتاج ذلك ثلاث عمليات تمت في وقت واحد بمعجزة حقيقية، هي: قوات خاصة خلف خطوط العدو ولغلق صنابير النابالم ومن داخل خط بارليف، في ذات الوقت انطلاق ماكينات ضخ المياه لفتح الممرات أمام قوات العبور، ثم بدء بناء الجسور في مياه القناة، لتمكين القوات من العبور، وفي ظل إطلاق المدفعية لحمم من جحيم مكثف على القوات الصهيونية في سيناء. فماذا كانت النتيجة؟ عبور القوات في 6 ساعات عوضًا عن نكسة الـ (6) أيام عام 1967م، وتسلق الساتر والدخول من الممرات، ولم تتجاوز الخسائر البشرية عن (238) مقاتلاً مصريًا، في عملية العبور، على عكس ما كان متصورًا لدى الصهاينة أن العبور يكلف المصريين (10) آلاف!! وبالتالي تحقق أول إنجاز عسكري على الأرض بعبور أكبر مانع مائي في التاريخ.
3- تم تحطيم خط بارليف الحصين الذي كان العدو الصهيوني يفاخر به، ويشيع أنه من المستحيل اقتحامه في ظل حرب نفسية شعواء ضد الجيش المصري، وهو أكبر خط دفاعي تم بناؤه في القرن العشرين، استطاع الجيش المصري بقدراته اقتحامه وتدميره، وأسر قيادات كبرى فيه منهم العقيد/ عساف ياجوري، الذي أجبر على أداء التحية العسكرية بيده اليمنى وتسليم العلم الصهيوني مطويًا، إشارة إلى الاستسلام والخضوع.
4- تصميم وتنفيذ خطة صراع استراتيجية متكاملة، جعلت العدو الصهيوني، لا يصدق احتمالية هجوم عسكري مصري عليها، وقد تحدد الهجوم فعليًا ظهر السبت (عيد الغفران عند الصهاينة)، وفي تمام الساعة الثانية وخمس دقائق، وفي ظهيرة شهر رمضان، حيث لم يكن يدرك الجيش الصهيوني وسياسيوه، إمكانية ذلك. فضلاً عما نشر بصفحات الجرائد الرسمية في مصر صباح السبت تحركات الوزراء وسفرهم في الصفحات الأولى إشارة إلى اعتيادية العمل الحكومي وهو جزء من مخطط خداعي كبير لم يدركه العدو الصهيوني. ودخلت هذه الخطة الخداعية، صفحات جديدة من التاريخ العسكري.
وما يمكن قوله في الخلاصة، أن ما تم من إنجاز عسكري، رغم كل ما حدث من تطورات عملية كان يمكن تفاديها، هو خلاصة جهد كبير وإرادة انتصار حقيقية، سيطرت على الجيش المصري (قيادة وأفرادًا)، ولم يروا غير النصر بديلاً، متمنيًا أن تسود هذه الروح حياتنا المدنية في كافة القطاعات بلا استثناء. فالمصري يمتلك مخزونًا حضاريًا يحتاج إلى تفجير طاقاته. ولم تكن حرب أكتوبر وإنجازاتها ممكنًا أن تتحقق لولا إنجازات حرب الاستنزاف لمدة (1000) يوم، وابتداءً من معركة رأس العش بعد ثلاثة أسابيع من النكسة وما بعدها من إغراق المدمرة إيلات، ومعركة شدوان وغيرها من بطولات الجيش المصري الذي نفخر وسنظل نفخر به في جبهتنا الجنوبية (مصر)، وفي جبهتنا الشمالية (سوريا)، وعاشت الجمهورية العربية المتحدة.
د. جمال زهـران
القاهرة في: 6/10/2019م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى