Featuredاخبار دولية

القاهرة.. توتّر مع واشنطن .. وحدود مُلتهِبة جنوباً وغرباً

محمد منصور

التدهور الإقليمي الذي تشهده المنطقة المحيطة بمصر هو الشغل الشاغل حالياً للقيادة المصرية على المستوى الخارجي، ففي السودان تطوّرت الأحداث بشكل مُتسارِع “كانت تتوقّعه القاهرة” في اتجاه معاكس لما كان يتوقّعه الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير، الذي كانت العلاقة بينه وبين القاهرة مُتذبذبة وتميل إلى التوتّر، خاصة على خلفيّة الخلاف بين البلدين على مثلّث حلايب وشلاتين.

عقب إعلان الصحافة الروسية عن توقيع مصر مع موسكو على صفقة شراء أعداد من مقاتلات السيادة الجوية الأحدث في الترسانة الروسية “سوخوي 35″، تتابعت ردود الأفعال الأميركية على هذه الصفقة، التي رأتها واشنطن مُخلّة بصورة واضحة بميزان القوى العسكرية بين مصر وإسرائيل، ووصلت هذه الردود إلى ذروتها خلال زيارة الرئيس المصري إلى واشنطن الشهر الجاري، حيث صدرت تصريحات من وزير الخارجية الأميركي حول احتمالية تطبيق واشنطن لقانون “كاتسا” وفرضها لعقوبات على مصر في حال تنفيذ عقد السوخوي مع روسيا، وقد أتى هذا التصريح بالتزامُن مع استقبال مكاتب ملحقة بالكونغرس الأميركي لعدّة شخصيات مصرية معارضة.

تنويع مصادر التسليح .. إستراتيجية أساسية

القاهرة من جانبها – وهي تضع في اعتبارها عدم تمكّن الولايات المتحدة سابقاً لاعتباراتٍ سياسيةٍ وإقتصاديةٍ من تطبيق قانون “كاتسا” على دول مثل فيتنام والهند وأندونيسيا – تنظر إلى هذا الموضوع بشكلٍ أساسي من وجهة النظر العسكرية، فهي اتّخذت قراراً إستراتيجياً عام 2003 بتنويع مصادر السلاح، وتكثيف التعاون في هذا الصَدَد مع روسيا والصين، ودول أخرى مثل باكستان وألمانيا وفرنسا وإسبانيا. وبالفعل دخلت هذه الإستراتيجية حيّز التنفيذ منذ عام 2005 وحتى الآن، ومن خلالها أصبح تسليح الجيش المصري في مختلف أفرعه يتميّز بتنوّع يُتيح للقيادة العسكرية المصرية ضمان أفضل مستوى تسليحي حتى في ظل ظروف التوتّر السياسي بينها وبين أحدى الدول المصدّرة، ناهيك عن دفعة عملاقة تعرّض لها قطاع الإنتاج الحربي، وظهرت نتائجه جلية في تنظيم مصر للمعرض الأول للصناعات الدفاعية والعسكرية “أيديكس 2018” أواخر العام الماضي.

وضمن هذه الإستراتيجية، قامت القيادة العسكرية المصرية خلال الفترة المذكورة بتحديث كامل لمنظومات الدفاع الجوي الموجودة لديها، من روسيا قامت بتحديث بطاريات صواريخ “سام3 ” إلى المعيار “بيتشورا تو أم”، وحصلت على منظومات “بوك أم 1 – 2″ و”تور أم 1” والأنظمة المحمولة على الكتف “سام 24″، بجانب التعاقد على ثلاث بطاريات من منظومة الدفاع الجوي المتقدّمة “أس-300 في أم”. كذلك تعاقدت مع ألمانيا العام الماضي على شراء منظومات الدفاع الجوي متوسّطة المدى “أيريس – تي”. على مستوى سلاح الجو، تزوّدت القوات الجوية المصرية منذ عام 2010 بإعداد من الطائرات الصينية من دون طيّار “وهو الجانب الذي كان يعاني من بعض الإهمال خلال السنوات السابقة”، من بينها طائرات الإستطلاع “أيه أس أن -209″، والطائرات الهجومية “وينج لوونج 1 – 2، وقد تعاقدت مصر خلال الشهور الماضية على النسخة الأحدث من هذه الطائرات وهي “وينج لوونج-1دي”. طائرات الجناح الثابت شهدت أيضاً منذ عام 2015 تحديثاً كبيراً، بتعاقد مصر مع روسيا على 46 مروحية هجومية من نوع “كا-52″، تسلّمت معظمها ولم يتبق إلا عشر مروحيات جاري تسليمها خلال العام الجاري، هذا بالإضافة الى تعاقد القوات الجوية المصرية مع موسكو عام 2015 على 50 مقاتلة اعتراضية مطوّرة من نوع “ميغ-29 أم2″، وتعاقدها أخيراً على مقاتلات السيادة الجوية سوخوي35. وهذا كله يضاف إلى 20 مقاتلة متعدّدة المهام فرنسية الصنع من نوع “رافال” تسلّمتها مصر خلال الفترة من 2015 إلى 2018.

بحرياً، تعاقدت مصر مع فرنسا عام 2015 على مجموعة من القطع البحرية التي تمثل حالياً القوّة الضارِبة للبحرية المصرية، منها سفينتا هجوم برمائي من الفئة “ميسترال” وفرقاطة من الفئة “فريم”، وأربع فرقاطات من الفئة “جاويند” تسلّمت منها حتى الآن فرقاطتين. كذلك تعاقدت مصر مع ألمانيا عامي 2012 و2014 لشراء أربع غواصات من نوع “تايب 209-1400″، تسلّمت منها حتى الآن غواصتين، وقد وافق البرلمان الألماني منذ أيام على تصدير ست فرقاطات إلى مصر، من بينها ثلاث من نوع “ميكو – أيه200” بعقد تصل قيمته إلى أكثر من 2 مليار يورو، يضاف إلى عقد تمّت الموافقة عليه سابقاً لتصدير فرقاطة من نفس النوع. وتستمر عمليات التحديث في بقية وحدات البحرية المصرية، وكانت آخر هذه المحاولات ما تمّ إعلانه منذ أيام عن وجود مفاوضات جادّة بين مصر وشركة “نافانتيا” الإسبانية لتزويد البحرية المصرية بعدّة سفن للدعم والتموين من الفئة “كانتابريا”.

الناتو العربي… في مهب الريح
ترافقت إثارة الولايات المتحدة لموضوع عقد السوخوي مع مؤشّرات أخرى تفيد بدخول العلاقات المصرية الأميركية إلى خانة مشابهة للخانة التي دخلتها عقب الإطاحة بنظام حُكم الإخوان في ثورة الثلاثين من يونيو 2013، على رأسها التقارير الصحفية التي أشارت إلى أن الرئيس المصري أبلغ ترامب أن مصر لن تشارك في التحالف العسكري الذي تحاول واشنطن منذ شهور تكوينه من دول الاقليم لمواجهة إيران، وهو موقف يتّسق مع عزوف القاهرة عن المشاركة في أية اجتماعات بخصوص هذا الموضوع، وآخرها الاجتماع الذي تم عقده منذ عدّة أيام في الرياض. كذلك شهدت زيارة الرئيس المصري إلى واشنطن تأكيداً على الموقف المصري والعربي الرافض للإعتراف الأميركي بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل.

وعلى الرغم من أن البعض ربط بين الموقف المصري، وتحليلات تشير إلى أن القاهرة ترى أن فرص فوز الرئيس الأميركي ترامب بولاية جديدة شبه معدومة، وبالتالي فإن مسألة تشكيل حلف اقليمي ضد إيران ربما تشهد في ما بعد جموداً يؤدّي إلى وفاة هذا الحلف. إلا أن الثوابت التاريخية المصرية تشير بشكل واضح إلى رفض مصر الانخراط في أية أحلاف عسكرية اقليمية، لأن هذا يخالف بشكل صارِخ العقيدة العسكرية المصرية، التي حتى الآن تضع إسرائيل كعدو رئيسي وأوحد، تتدرّب على مواجهته الوحدات الميدانية والقيادية المصرية. كما أن مصر ترى في ظلّ الظروف الإقليمية الحالية، والتطوّرات في سوريا والجزائر وليبيا والسودان، أن الوضع الإقليمي الحالي لا يتحمّل أية مغامرات عسكرية أو سياسية، قد تساهم في زيادة التوتّر في المنطقة. هذا السياق يتوافق مع مواقف مصرية سابقة من أحلاف عسكرية اقليمية، مثل التحالف العسكري في اليمن “الذي شاركت فيه مصر بصورة رمزية استهدفت في الأساس ضمان الملاحة القادمة من باب المندب في اتجاه قناة السويس”.

وضع اقليمي مُلتهِب .. على أبواب مصر
التدهور الإقليمي الذي تشهده المنطقة المحيطة بمصر هو الشغل الشاغل حالياً للقيادة المصرية على المستوى الخارجي، ففي السودان تطوّرت الأحداث بشكل مُتسارِع “كانت تتوقّعه القاهرة” في اتجاه معاكس لما كان يتوقّعه الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير، الذي كانت العلاقة بينه وبين القاهرة مُتذبذبة وتميل إلى التوتّر، خاصة على خلفيّة الخلاف بين البلدين على مثلّث حلايب وشلاتين، وكذلك العلاقات المُتزايدة بين الخرطوم وأنقرة في فترة حُكم البشير، والتي كان من أهم ملامحها منح البشير حق إستغلال جزيرة سواكن السودانية إلى تركيا، وهي جزيرة تبعد مسافة قصيرة عن الحدود المشتركة بين مصر والسودان. ومن المفارقات اللافتة، أن الفصل الأخير من العلاقة بين القيادة المصرية والبشير، كان يشوبه توتر كبير، بعد أن اعترض السودان على فتح مصر باب المناقصات الدولية للتنقيب عن الغاز في نطاق البحر الأحمر ومثلّث حلايب وشلاتين.

في ليبيا تسير الأمور بالنسبة للقاهرة على ما يرام، فمصر التي كانت هي المُعطّل الأساسي لرغبة قائد الجيش الليبي خليفة حفتر في إطلاق معركة طرابلس خلال الشهور الماضية، رأت أن التوقيت الحالي هو الأنسب لإطلاق هذه المعركة، التي تستهدف ليس فقط بسط سيطرة الجيش الوطني على كامل التراب الليبي، بل أيضاً إنهاء بؤر النفوذ التركي والقطري غربي ليبيا، وقد كان رهان مصر على الجيش الليبي رهاناً ناجحاً، فيه دعمت مصر وحدات هذا الجيش منذ أن كانت عام 2014 مجرّد بضعة كتائب مسلّحة تسليحاً خفيفاً، إلى أن أصبح حالياً جيشاً نوعياً، تمكّن عبر عمليات عسكرية خاطفة على مدار السنتين الماضيتين من فرض السيطرة على نحو ثمانين بالمائة من مساحة ليبيا. المواجهة في طرابلس تبدو شرسة، فالمدافعون عنها يعلمون أنه لا يوجد خلفهم إلا البحر، وأنه حتى مع استمرار تدفّق المساعدات إليهم عبر البحر من تركيا وغيرها، إلا أن لحظة الحقيقة أصبحت قريبة جداً، خاصة بعد سقوط رهان فصائل طرابلس على تدخّل دولي ضد الجيش الليبي، ويقينهم أن الظرف الإقليمي الحالي هو الأنسب من أجل إنجاح عملية الجيش الوطني.

زيارة الرئيس المصري منذ أيام إلى قاعدة محمّد نجيب العسكرية المصرية قرب الحدود مع ليبيا، وأيضاً اللقاء الرسمي المُعلَن بينه وبين قائد الجيش الوطني خليفة حفتر في القاهرة، والتواصل الأميركي الأخير مع حفتر، في ما يبدو أنه من أهم نتائج زيارة الرئيس المصري إلى واشنطن، كلها مؤشّرات تؤكّد الإصرار المصري على المضيّ قدماً في الملف الليبي حتى النهاية، وأن المواجهة المباشرة مع تركيا في هذا الملف أصبحت فعلية على أرض الواقع، حتى الآن الطائرات المصرية والسفن التركية تراقب الوضع من على بعد في عرض وأجواء البحر المتوسّط، لكن نستطيع بكل ثقة أن نعتبر البلدين في حال اشتباك على الأراضي الليبية، وهو اشتباك سيتصاعد الأيام الماضية في مناطق أخرى بالبحر المتوسّط ، وعلى رأسها منطقة شرق المتوسّط، التي تشهد في الإسكندرية نسخة هذا العام من مناورات “ميدوزا” الدورية بين مصر واليونان وقبرص، وتشهد أيضاً خلال أيام إنهاء خط الأنابيب الرابط بين حقل “ظهر” الغازي المصري ومنشآت الإسالة في ميناء دمياط، وهو ما يعني بداية قريبة لعمليات التصدير من مصر إلى أوروبا، خاصة بعد إعلان شركة “أيني” الإيطالية عن كشف جديد في حقل “نور” النفطي الذي يقع على مسافة 50 كيلو متراً شمالي مدينة العريش بمحافظة شمال سيناء.

ميدوزا 8
توقيت مناورات “ميدوزا 8” الدورية بين قبرص ومصر واليونان، والجارية حالياً في نطاق مدينة الإسكندرية المصرية، يأتي لتأكيد المواجهة المصرية – التركية، خاصة وأن هذه المناورات تتمّ في ظل تحرّكات تركية بطيئة في شرقي المتوسّط، وتحرّكات للبحرية التركية باتت تصل إلى قبالة السواحل الليبية. في مناورات هذا العام، تشارك اليونان بفرقاطة من الفئة “إيلي” بجانب غواصة من الفئة “تايب-214” وسفينة إنزال من الفئة “جيسون” وكاسحة ألغام من الفئة “هانت”، بالإضافة إلى ثماني مقاتلات أف16 وطائرة إنذار مبكر من نوع “أمبارير 145” وثلاث مروحيات قتالية من نوع “أباتشي” ومروحية نقل من نوع “شينوك”، وعناصر من مشاة البحرية اليونانية والقوات الخاصة. قبرص تشارك بزورق دورية من الفئة “مبروكة” بجانب عناصر من القوات الخاصة القبرصية.

في ما يتعلّق بالمشاركة المصرية، تشارك البحرية المصرية بسفينتي إنزال برمائي من نوع “ميسترال”، و بزورقي صواريخ هجوميين من نوع “أمباسادور أم كي”، وكورفيت من الفئة “جاويند”، وغواصة من الفئة “1400/209”. بجانب مروحيات قتالية من نوع “أباتشي” وثماني مقاتلات أف16 وطائرة إنذار مبكر من نوع “اي تو سي هوك” ومروحية نقل من نوع “شينوك”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى