Featuredنخبة المقالات

المصلحة الوطنية.. وتحولات النظام الدولي (2-3)

د. جمال زهران

لاشك أن أكبر الأخطاء التي يقع فيها صناع القرار، هو سوء الإدراك، أي القراءة غير الدقيقة وغير المكتملة أو غير الشاملة للواقع القائم، الأمر الذي يدفع بدولهم إلى الكوارث. وكلما أتت القراءة مبكرة، كانت المخرجات قوية وسابقة على ما يقع. وفيما يتعلق بتحولات النظام الدولي الحادثة في أعقاب الثورات العربية التي وقعت في المنطقة وعلى الأخص (تونس – مصر)، فإنه من المفيد أن نشير إلى المناظرة الكبرى والمهمة في أدب العلاقات الدولية حول قدرة أي من الأنساق الدولية (متعدد الأقطاب أو ثنائي القطبية أو أحادي)، على تحقيق أكبر قدر من الاستقرار الدولي والإقليمي، الأمر الذي ينعكس على اختيارات الدول الصغرى أو المتوسطة.

فيرى عالم السياسة الأمريكي (كينيث والتز)، أن نسق القطبية الثنائية هو الأكثر قدرة على تحقيق الاستقرار الدولي للأسباب التالية:

  • يتميز نسق القطبية الثنائية بهيمنة قوتين مسيطرتين على النسق الدولي وأحداثه العالمية، مما يؤدي إلى زيادة قدرتهما على تحقيق الاستقرار الدولي.
  • يتميز هذا النسق بالتنافس الحاد الواسع النطاق بين القوتين المسيطرتين، ومن ثم فإن كل قوة تهتم بأي تغير في الميزان، حتى لو كان محدودًا.
  • يتميز هذا النسق أيضًا، بتفاهم القوتين المسيطرتين على إطار معين للتعامل مع الأزمات الدولية.
  • يكشف هذا النسق على أنه مع وجود قوتين مسيطرتين في نسق القطبية الثنائية، فإن التغيرات المحدودة في ميزان القوى لن تؤثر كثيرًا في الخصائص العامة للميزان.

وفي هذا السياق فإن القوتين المسيطرتين قد لا تتدخلان لمنع حدوث مثل هذه التغيرات المحدودة نتيجة لإدراكهما أن تلك التغيرات لن تؤثر في مركزيهما المهيمن على النسق الدولي، وبدلاً من ذلك أيضًا فقد تريان أن عدم التدخل ربما يكون هو السياسة المثلى، خاصة في أن التدخل قد يؤدي إلى زيادة احتمال نشوب حرب نووية.

على الجانب الآخر: فيرى (ريتشارد روسكرانس)، أن نسق تعدد الأقطاب أكثر قدرة على تحقيق الاستقرار الدولي، وذلك لعدة أسباب هي:-

  • أن نسق تعدد الأقطاب يوفر فرصًا أكبر للتفاعل بين الدول، ومن ثم لتحقيق الأهداف الوطنية عن طريق تعامل الدولة الواحدة مع عدد من الدول المختلفة إذا تطلب الأمر ذلك.
  • يتميز نسق تعدد الأقطاب بتعدد المحالفات بين الدول طبقًا لكل قضية على حده، فالدولة قد تتحالف مع دولة أخرى تحالفًا عسكريًا، ولكنها ربما تتحالف مع دولة ثالثة تحالفًا اقتصاديًا، ويؤدي تقاطع هذه التحالفات وتشابكها إلى ربط مصائر الدول بعضها ببعض ومن ثم إلى تحقيق الاستقرار الدولي.
  • يؤدي هذا النسق، بما يعنيه من تعدد الدول الكائنة في النسق، إلى الحد من حجم الاهتمام الذي توجهه الدولة إلى الدولة الأخرى الداخلة في صراع معها، ومن ثم يتضاءل احتمال تصاعد الصراع إلى حالة الحرب.
  • يؤدي هذا النسق إلى تحجيم سباق التسلح، لأن اتجاه دولة واحدة إلى زيادة تسلحها قد لا يفسر بأنه موجه بالضرورة إلى القطب المضاد كما هو الحال في نسق القطبية الثنائية، ولكنه قد يفسر على أنه موجه إلى أي من الدول الأخرى الكائنة في النسق.
  • يتميز هذا النسق التعددي، بوجود الدول الوسيطة التي قد تساعد على تسوية المنازعات بين الدول.

وقد يتضح أن هذا النسق ضامن أساسي للأداء الصحيح لميزان القوى، وذلك بتوافر إمكانية تغيير التحالفات بحيث يتم ردع أي تهديد للسلام عن طريق إعادة تشكيل التحالفات، ومع وجود أكثر من قوتين في النسق، يؤدي احتمال انضمام الدول الأخرى إلى القوة المعادية، إلى كبح جماح القوة الأولى، فيعود النسق إلى توازنه.

من ناحية ثالثة فإن (ميخائيل هاس) يرى أن النسق ذا القطبية الواحدة أي أحادي القطبية، هو أكثر الأنساق الدولية ميلاً إلى الاستقرار. فالقطب المسيطر على النسق يضمن – بحكم قوته الهائلة، عدم تحدي صانعي القرار في الدول الأخرى لإرادته، وهذا يؤدي إلى استقرار النسق. أما نسق القطبية الثنائية فإنه ينتج عددًا ضئيلاً من الحروب، ولكنها قد تكون في معظم الأحوال حروبًا إقليمية طويلة الأمد بين القوى التابعة للقطبين. كما أن نسق تعدد الأقطاب يتسم بمزيد من الحروب. ويؤكد على أن تركز القوة في يد دولة واحدة أو مجموعة من الدول المؤيدة لاستمرار الوضع الدولي القائم، يؤدي إلى الإقلال من إلى احتمال لجوء الدول الأخرى إلى استعمال القوة العسكرية، وشواهده تركز القوة في بريطانيا خلال القرنين (18، 19)، الذي أدى إلى هيمنتها على البحار، كان من أهم العوامل التي خلقت جو السلام الدولي معظم القرنين.

ترى ماذا حدث في النظام الدولي الحالي من تغيرات وتحولات، تساعد على القراءة الدقيقة التي تعين صناع القرار على الاختيارات الأفضل تحقيقًا للمصلحة الوطنية، وهو ما سيتم تناوله في المقال القادم.

د. جمال زهـران

القاهرة في: 20/1/2019م

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى