Featuredنخبة المقالات

لا استراتيجية مغايرة لترامب بل حملة متصاعدة ضد ايران لحماية “اسرائيل”

د. عصام نعمان

من القاهرة أطلق مايك بومبيو، نيابةً عن دونالد ترامب ، حملةً بمحاور متعددة ضد خصوم الولايات المتحدة في غرب آسيا، ولاسيما في المشرق العربي . بومبيو تقصّد ان يقتصر خطابه على خطوط عريضة لعلمه ان رئيسه المتقلّب المزاج لن يستقر على رأي وان ما سيقوله هو او غيره اليوم قد يقول ترامب عكسه غداً.

اللافت في خطاب وزير الخارجية الاميركي حرصه على دحض الخطاب الذي كان ألقاه باراك اوباما في العاصمة نفسها قبل عشر سنوات . فقد وصف الرئيس الاميركي الأسبق بالضعف في تصدّيه لما أسماه “الخطر الإيراني الاقليمي” ما ادى الى تقوية النظام الإسلامي في طهران وتشجيعه على “بسط نفوذه من اليمن الى العراق ، والى سوريا ، وأبعد من ذلك الى لبنان”.

بومبيو لم يركّز حملته على ايران فحسب بل تناول فيها ايضاً حزب الله اللبناني ، مؤكداً ان واشنطن سوف تصعّد ضغوطها عليه بقوله : “في لبنان، ما زال لحزب الله وجود كبير ، لكننا لن نقبل هذا الوضع الراهن لأن عقوباتنا الشديدة ضد ايران موجّهة ايضاً ضد هذا التنظيم الإرهابي وقادته ، بمن فيهم نجل حسن نصرالله زعيم حزب الله”. الى ذلك ، إدعى بومبيو ان “ميل اميركا الى التمنيات جعلنا نتجاهل كيف قام حزب الله بتجميع ترسانة ضخمة مؤلفة من نحو 130 الف صاروخ وتخزين الاسلحة ونشرها في البلدات والقرى اللبنانية (…) هذه الترسانة موجّهة مباشرةً ضد حليفتنا “اسرائيل” . فوق ذلك ، تعهد بومبيو بأن تواصل حكومته تعقّب الإرهابيين الذين يسعون الى التمدد في ليبيا واليمن (…) ونحن ندعم بقوة جهود “اسرائيل” لمنع طهران من تحويل سوريا الى لبنان آخر”.

هذه هي ، اذاً ، محاور حملة بومبيو الترامبية بخطوطها العريضة ، حتى إشعار آخر : تشديدُ الضغوط والعقوبات على ايران وحلفائها ؛ وحمايةُ “اسرائيل” ودعمها بسخاء ؛ ومواجهة التنظيمات الإرهابية ومَن تعتبرهم الولايات المتحدة بمثابة تنظيمات شبيهة او رديفة في سوريا ولبنان واليمن.

لا تغيير لافتاً في حملة بومبيو الترامبية ، لا من حيث الغايات ولا الوسائل . “اسرائيل” كانت دائماً ، وما زالت ، الحليفة الرئيسة للولايات المتحدة الجديرة بالرعاية والحماية في وجه العرب المعادين لها ؛ وايران كانت دائماً ، وما زالت ، محور عداءٍ اميركي مركّز ومتواصل منذ الثورة التي ازاحت الشاه ، حليف واشنطن المخلص، واوصلت نقيضه الإمام الخميني وانصاره الى السلطة ؛ فيما سوريا وتنظيمات المقاومة اللبنانية والفلسطينية واليمنية كانت دائماً ، وما زالت، موضوع ملاحقة دائمة بعداءٍ شديد من جانب اميركا و”اسرائيل” شمل ايضاً الحكومات والقوى المناهضة لهما في المنطقة.

لعل الامر الوحيد المغاير (الذي لم يأتِ بومبيو على ذكره) هو تعاون الولايات المتحدة الضمني والعلني مع تنظيمات إرهابية ناشطة في سوريا ولبنان والعراق وسيناء المصرية واليمن ضد الحكومات والقوى المعاديــة لـِ “اسرائيل” ولحاميتها اميركا. ذلك ان واشنطن بادرت خلال اضطرابات ما يسمى “الربيع العربي” الى توظيف عشرات التنظيمات الإرهابية الاسلاموية في خدمة اغراضها العدوانية ضد حكومات وقوى تحررية في اقطار عربية عدّة.

لا بومبيو ، ولا من قبله رئيسه ترامب ، هدّد بإستعمال مزيدٍ من العنف المباشر ضد الدول والتنظيمات المعادية للولايات المتحدة و”اسرائيل” في المنطقة. هذا لا يعني بطبيعة الحال مهادنتها. بالعكس ، اميركا ستثابر ، شأنها اليوم ، في اعتماد “الحرب الناعمة” المتصاعدة ضد اعدائها واعداء الكيان الصهيوني. الحرب الناعمة تنطوي على فصول ساخنة تتعهد واشنطن جانبها “المريح” المتمثل بإستعمال سلاح الجو والحروب الأهلية التي يتولاها غيرها من وكلاء وتنظيمات ارهابية وحركات فئوية تتقن فن إثارة الفتن الطائفية، كما تقوم اميركا بفرض عقوبات اقتصادية وحروب تجارية ضد خصومها ومنافسيها.

في كل مراحل وجوانب الحرب الناعمة ، لا دور لجنود اميركيين على الارض. ذلك يجنّب الولايات المتحدة خسائر بشرية فادحة لطالما شكت منها وارهقتها في حروب كوريا وفيتنام وافغانستان والعراق ما حملها على “اختراع” الحرب الناعمة لتتفادى خسائر بشرية وتوّفر على نفسها سخط وتقريع شديدين من اهالي الجنود ونكسات سياسية في الداخل.

عامل آخر يدفع ترامب الى تفادي التدخل بقوات برية والتعرّض تالياً الى خسائر بشرية هو تصاعد المعارضة الداخلية ضده نتيجةَ سلوكه مسالك سياسية واقتصادية غريبة وخطيرة ما أقلق الرأي العام الاميركي وضاعف تحفظه وحذره من مغامراته السياسية والامنية ، ومعارضة إرسال قوات برية الى مناطق النزاع.

لكل هذه الأسباب والعوامل لن يتأتّى عن جولة بومبيو ، وقبله مستشار الامن القومي جون بولتون ، اي فصول ساخنة تتعدى تلك المعمول بها حالياً في ميادين الصراع في سوريا والعراق وفلسطين واليمن وافغانستان . فقد باشرت ادارة ترامب سحب قواتها ومعداتها العسكرية من سوريا ، في إطار تواطىء تحت الطاولة مع تركيا يرمي الى إحلال قوات تركية محل قواتها المنسحبة. كل ذلك لتفادي حلول قوات سورية محلها ما يهدد جهود اميركا ، ومن ورائها “اسرائيل” ، لتفكيك سوريا وتقسيمها.

بإختصار ، ستثابر ادارة ترامب في اعتماد مختلف اشكال الحرب الناعمة بغية مشاغلة وإضعاف اعداء اميركا و”اسرائيل” في كل مكان ، ولاسيما في سوريا ولبنان والعراق واليمن . وعليه ، يمكن إعتبار ما يحدث الآن، بالتواطؤ مع تركيا او من دونه ، في ادلب وغرب حلب وشرق الفرات، وما يحدث على طول حدود لبنان مع فلسطين المحتلة في سياق عملية “درع شمالي” وسواها ، وما يحدث على حدود قطاع غزة وفي محيطه من مناوشات وعمليات عدوانية دورية ، وما يحدث في العراق بعد سحب بعض القوات الاميركية من سوريا وتركيزها في قاعدة عين الاسد بمحافظة الانبار العراقية، وما يحدث في اليمن من مجازر ومآسٍ يقوم بها حلفاء اميركا… اجل ، يمكن اعتبار كل هذه الاعتداءات والإشتباكات والمناوشات تجليات ميدانية للحملة الصهيواميركية المتجددة التي يعتمدها ساكن البيت الابيض في غمرة حاله المزاجية الراهنة والمرشحة دائماً الى صعودٍ وهبوط .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى