Featuredنخبة المقالات

نواب سابقون … هل يتحوّلون سبّاقين؟

د. عصام نعمان

تسنّى لي قبل ايام ان اشارك في تجربةٍ غير عادية . فقد دعت رابطة النواب السابقين اعضاءها الى اجتماعٍ للتباحث في قضايا بل تحديات ، تواجه لبنان في هذه الآونة . لبّى الدعوة اكثر من اربعين عضواً ، شارك جلّهم في المناقشة بحيوية لافتة.

الأعضاء المشاركون بعضهم افذاذ وبعضهم الآخر اتباع . الافذاذ قام بعضهم بأعمال تشريعية مرموقة ومهام رقابية حساسة ، وتولى بعضهم الآخر رئاسة لجان برلمانية فاعلة . الاتباع إلتزم بعضهم بأمانة سياسات ورغبات رؤساء التكتلات البرلمانية التي انتموا اليها ، ولزم بعضهم الاخر الصمت معظمَ سنيّ ولايته النيابية فلا أضرّ ولم ينفع احداً.

جدول الاعمال مختصر في موضوعاته البالغة الاهمية ، لكنه طويل بما تتطلّبه من وقت دراستها ومناقشتها والخروج منها بتوصيات. الموضوعات اربعة : الحكومة (التي طال انتظار تأليفها)، الفساد ، الكهرباء، الوضع الإقتصادي. صال المتحدثون وجالوا ، بادىء الامر ، بالموضوعات الاربعة كلها الامر الذي استهلك وقتاً طويلاً قبل ان تتنبّه ادارة الإجتماع الى ان المتحدثين كثر والوقت الإجمالي المتاح لا يسمح بسخاء غير مقبول في استهلاكه ، فكان ان حُدّد لكل متحدث خمس دقائق فقط.

تدخلات المتحدثين كان بعضها غثّاً وبعضها الآخر سميناً . ذلك ان بعضاً من الاعضاء كان تولّى مسؤوليات برلمانية او وزارية تميّز خلالها بأنشطة وانجازات مميزة . غير ان الوقت المحدد المتاح للمتحدثين اصحاب التجارب والانجازات المميزة كان محدوداً ما ادّى بدوره الى محدوديةٍ في العرض والشرح والخلوص الى استناجات .

عندما جاء دوري في الكلام اعترضتُ على النهج المتّبع في تحديد جدول الاعمال وفي مناقشة موضوعاته . قلتُ ان كلاٍّ من الموضوعات الاربعة المطروحة مهم وخطير ويحتاج جلسةً خاصة به ليستوفي حقه من الدرس والتمحيص واستخلاص النتائج. لذلك اقترحتُ نهجاً مغايراً : ان تقوم الهيئة الادارية للرابطة ، بالتوافق ، على تحديد القضايا والموضوعات الاكثر اهمية وخطورة من غيرها وتقوم بتأليف لجان تخصصية من الاعضاء الراغبين، وتعطى وقتاً محدداً لدرسها بالتعاون مع اختصاصيين من خارج اعضائها ، اذا اقتضى الامر ، ثم تحيل دراستها وتوصياتها الى الهيئة الادارية التي تقوم بدعوة الهيئة العامة لرابطة النواب السابقين لمناقشة الدراسة المقدّمة لهم واستخلاص التوصيات المناسبة ووضعها في صيغة مذكرةٍ يصار الى ابلاغها من رئاسات الجمهورية والحكومة ومجلس النواب ، كما الى المراجع السياسية والاقتصادية والمهنية ذات الصلة ، ولا بأس ايضاً في عقد مؤتمر صحافي في مجلس النواب بغية تعميم التوصيات على مختلف اوساط الرأي العام بغية اشراك القوى الحية في المجتمع في المناقشات والجهود الرامية الى حل المشكلات والمعضلات المشكو منها.

قلتُ : بهذه المقاربة للقضايا والتحديات التي تواجه البلاد في هذه الآونة ، يُسهم النواب السابقون في توعية الناس ، مسؤولين ومواطنين ، وفي اشراكهم بمعالجة قضايا الشأن العام والخلوص تالياً الى نتائج ايجابية . اجل، بهذه المقاربة يتحوّل النواب السابقون ، لاسيما المقتدرين بينهم ، سبّاقين في اجتراح الحلول والاصلاحات اللازمة.

اذ ابدت ادارة الاجتماع موافقة على هذه المقاربة واعلنت انها باشرت في اعتمادها قبل بدء المناقشات ، انتقلتُ الى مناقشة الموضوع الاول والاخطر في جدول الاعمال وهو الحكومة التي مضى نحو اربعة اشهر ولمّا تؤلف بعد ، فقلت إنني اتفق مع المتحدثين الذين صارحوا الحضور بأن لا دولة في لبنان (بعضهم قال إن لدينا مزرعة يتقاسم خيراتها زعماء الطوائف !) لكنّي لا اتفق مع الذين بالغوا في يأسهم الى درجة القول :”فالج لا تعالج” ! صحيح ان لبناء الدولة شروطاً ومناهج تتطلب اكثر بكثير من مجرد تأليف حكومةٍ طال انتظارها ، لكن التعجيل في تأليف حكومة ائتلافية مقتدرة بات استحقاقاً وطنياً ضاغطاً وشرطاً لازماً لوقف الإنهيار السياسي والاجتماعي والامني الماثل.

اجل ، المطلوب المبادرة ، بلا إبطاء ، الى وقف الإنهيار المتدرج الناجم عن تردّي الإقتصاد ، وترهّل الدولة (او ما يسمّى مجازاً دولة!) وتعاظم التحديات الخارجية العدوانية وذلك بتأليف حكومة إئتلافية وطنية من شخصيات قيادية واختصاصيين مقتدرين تنهض بمهمة مواجهة التحديات والمخاطر سالفة الذكر بالتعاون مع الأطراف الجدّية والجادة في المجتمع المدني من احزاب وهيئات ومؤسسات وتجمّعات .

وقفُ الإنهيار شرط للمبادرة المتوجبة للنهوض تالياً بالمهمة الوطنية والإستراتيجية الاهم والاخطر : بناء دولة مدنية ديمقراطية على اسس الحرية وحكم القانون والعدالة والتنمية والإبداع الحضاري.

القوى الحيّة مدعوة الى ان تكون هي السبّاقة في هذا المسار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى