Featuredنخبة المقالات

“اسرائيل” تصعّد حربها الناعمة… هل هي مؤشر لتهدئة ام لإنفجار؟

د. عصام نعمان

الصراعات على اشدها في دول غرب آسيا ، من الشواطيء الشرقية للبحر المتوسط الى الشواطيء الجنوبية لبحر قزوين. احتدامُ الصراعات  يجد ترجمته في الحرب الناعمة التي تلف دول الاقليم بدرجات متفاوتة من الحدّة. فهل تصعيدها وسيلة ضغط لتوليد حاجة الى التفاوض ام هي مؤشر لإنفجار ينذر بسخونة غير مسبوقة ؟

ثمة صراع بين تركيا وسوريا في ادلب غرباً وفي الحسكة شرقاً ، امام عيون مترقّبة ومتربّصة لاميركا وروسيا ، لكسب ولاء كرد سوريين تتوزّع سياسات وممارسات قياداتهم بين انحياز بعضها الى تركيا وتحالف بعضها الآخر مع اميركا وإرتباط غالبية الناس بإرضهم وبالتالي بموطنهم ودولتهم سوريا.

ثمة صراع بين اميركا (ومن ورائها “اسرائيل”) وايران ، امام عيون مترقبة في عالم العرب كما في روسيا ودول اوروبا وآسيا ، لتأمين مصالح شتى الدول والشعوب المتضررة من الحرب التجارية التي تشّنها اميركا ضد الجميع والعقوبات التي تخصّ بها ايران اكثر من غيرها.

ثمة صراع على الحقوق والمصالح والمصائر بين “اسرائيل” (ومن ورائها اميركا) وسوريا وقوى المقاومة اللبنانية والفلسطينية التي تدعمها ايران علناً وروسيا ضمناً امام عيون مترقبة في العالم اجمع.

كلٌ من هذه الصراعات  مرشح لمزيد من التصعيد الهادف الى تحقيق تهدئة وبالتالي تسوية سياسية او الى إنفجار وبالتالي الى إنحدار من حال حربٍ ناعمة محتدمة الى اخرى ساخنة محتملة.

اشدُّ الحروب الناعمة احتداماً وخطورة تلك التي تشنّها “اسرائيل” على الامة عموماً ، وخصوصاً على سوريا وايران وعلى قوى المقاومة العربية التي تجد نفسها في خندق واحد معهما . هذه الحرب جرى تصعيدها بإعتداء “اسرائيل” على سوريا وتسبّبها بإسقاط طائرة استطلاع روسية منتصفَ شهر ايلول/ سبتمبر الماضي الامر الذي أدى الى قيام روسيا بترفيع قدرات الجيش السوري بتزويده منظومة دفاعٍ جوي من طراز S-300.

اذ حدّت المنظومة الدفاعية المتطورة وآليات التحرّي والإستطلاع والتصويب الملحقة بها من هامش المناورة امام سلاح الجو الإسرائيلي ، واقترن ذلك بموقف سياسي اشد تصلباً ، فقد اندلعت  في الكيان الصهيوني مناقشة مستفيضة حول ما يمكن او يقتضي عمله لإستعادة فعالية الردع الإسرائيلي.

لعل أبلـغ تعبيرٍ عن المناقشة الجدّية الدائرة تجلّى في مقالتين : الاولى لـِ ايال زيسر ، نائب رئيس جامعة تل ابيب ، في “يسرائيل هيوم” (2018/10/28) والثانية لـِ اوفيك ريمر ، الباحث في معهد دراسات الامن القومي ، “مباط عال” (2018/10/23).

يرى زيسر ، خلافاً لإدعاءات الناطقين العسكريين ، ان لا عمليات لسلاح الجو الإسرائيلي في السماء السورية بعد قيام الروس بتزويد الجيش السوري منظومة S-300 ، وان روسيا لا تعتبر ايران تهديداً وان وجودها  في سوريا لا يشكّل مشكلة لها ، وان ايران ما زالت  تالياً موجودة في سوريا وتتجذّر. لمواجهة هذا الواقع يدعو زيسر “اسرائيل” الى ” ان تفكر من جديد في تغيير التوجّه بالعودة الى سياسات الماضي (…) واساسُها تدفيع ثمن باهظ ليس فقط للضيف (ايران) بل ايضاً للمضيف ، اي بشار الأسد”.

ريمر يرى إن حزب الله أفلح في ترسيخ معادلة ردعٍ في مواجهة “اسرائيل” بعدما نجح ، باعتراف رئيس الإستخبارات العسكرية ، بإقامة مشروع انتاج صواريخ في لبنان وتحويلها الى نماذج اكثر دقة في التصويب وبالتالي اكثر فعالية . واذ يؤكد ريمر ان اسلوب الرد الاسرائيلي في هذه المرحلة لم يؤدِ الى حمل المجتمع الدولي ولا ايران ولا لبنان على وقف مشروع حزب الله لانتاج الصواريخ الدقيقة ، فإن “اسرائيل” “ستضطر الى المجازفة من اجل خلق تهديد موثوق به والتلميح الى تصميمها على إزالة الخطر الإستراتيجي من خلال توجيه انذارات تتضمن تهديداً واضحاً بالقيام بعملية عسكرية في لبنان ، او بضربة وقائية ضد مواقع الإنتاج المعروفة في اراضيه مع ما يعنيه ذلك من مخاطر تصعيد يؤدي الى مواجهة عسكرية واسعة”.

زيسر وريمر يلتقيان ، اذاً ، على ضرورة قيام “اسرائيل” بتدفيع عدوها ، حزب الله ، كما “المضيفَين” ، لبنان وسوريا ، ثمناً باهظاً لإستيضافته . فهل حكومة نتنياهو ورئيس اركان جيشها الجديد الجنرال افيف كوخافي في وارد اعتماد هذه “النصيحة” الخطيرة ؟

ظاهر الحال يشير الى العكس . فنتنياهو ما زال حريصاً ومنشغلاً بالحصول على موعد للإجتماع ببوتن رغم تهرّب الرئيس الروسي منه بشكلٍ ملحوظ. غير ان عدم اللقاء مع بوتن لا يمنع رئيس الحكومة الإسرائيلية من العمل والمناورة في مجالات اخرى. فقد  افاد تقرير تلفزيوني بثته قناة “حاداشوت” الاسرائيلية ان الشبكات السيبرانية  الإستراتيجية الايرانية تعرضت قبل ايام لهجوم بعد ساعات من كشف الدولة العبرية اشراكها الدانمارك في معلومات عن “مؤامرة” ايرانية للقضاء على معارضين ايرانيين على الاراضي الدانماركية  ما ادّى  الى قيام كوبنهاغن بإستدعاء سفيرها في طهران.

التقرير التلفزيوني الإسرائيلي تساءل ايضاً : “هل تذكرون فيروس “سنكسنت” الذي اخترق حواسيب  (الكومبيوتر) القطاع النووي الإيراني ؟” وكان الجنرال سردار غلام زاده جلالي ، رئيس وكالة الدفاع المدني في ايران ، صرح بأن بلاده عطلّت نسخة جديدة من “سنكسنت”. وقبل ذلك ، اقرّ الجنرال جلالي بأن هاتف الرئيس حسن روحاني تعرّض للتنصت وانه جرى تزويده هاتفاً لا يمكن التنصت عليه.

ترى ، هل استجابت القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية لدعوة زيسر وريمر الى شن ضربة وقائية ضد اعداء “اسرائيل”؟ ام هل تراها قامت بتصعيد حربها الناعمة المحسوبة على نحوٍ قابلٍ للتحويل الى تهدئة او الى انفجار؟

ربما ، لكن من الواضح ان الضربة السيبرانية الاسرائيلية  جاءت محدودة الفعالية بدليل ان ايران واجهتها دونما اضرار تذكر ، وإلاّ لكانت تل ابيب تغنّت بها بضجيجٍ وصخب …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى