Featuredنخبة المقالات

الحريري.. ممنوع من الصرف


د. عصام نعمان

استقال الرئيس سعد الحريري وحكومته في 29 أكتوبر/‏ تشرين الأول الماضي. أصبحت حكومته، بموجب المادة 640 من الدستور، غير قادرة على ممارسة صلاحياتها «إلاّ بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال». جرت محاولات متعددة لتأليف حكومة جديدة، لكن دونما جدوى. فالخلافات بين أركان المنظومة الحاكمة من جهة وضغوط الحراك الشعبي من جهة أخرى حالت دون التوافق على الشخص المناسب لتأليف الحكومة كما على شكلها ومواصفات أعضائها.
كان الحريري أبرز المرشحين لتأليف الحكومة الجديدة. لكن التوافق على تكليفه بهذه المهمة الصعبة لا يعني بالضرورة أنه سيكون قادراً على تأليفها. الأمر نفسه ينطبق على غيره، هذا اذا أمكن لأركان المنظومة الحاكمة التوافق على البديل المناسب، حتى وإن تم اختيار الدكتور حسان دياب لتشكيل حكومة جديدة،
فالأمر قد يستغرق أشهراً. في هذه الحالة، تبقى حكومة الحريري المستقيلة مسؤولة، بموجب الدستور، عن تصريف الأعمال. ثمة جدال مزمن حول مدلول تصريف الأعمال. كما ثمة تخوّف، لدى القوى السياسية المعارضة للحريري، شخصياً وسياسياً، من محاذير لجوئه الى التوسع في ممارسة تصريف الأعمال.
لبنان يعاني منذ ما قبل استقالة حكومة الحريري من انهيار مالي واقتصادي متنامٍ. العجز عن تأليف حكومة جديدة زاد من وتيرة الانهيار ما يستدعي قيام حكومة تصريف الأعمال الحالية (وبديلتها) بمبادرات واتخاذ قرارات غير عادية لمواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية والاجتماعية المستفحلة. ما العمل ؟
ورغم تكليف دياب، فإن الحريري بحكم كونه رئيساً لحكومة تصريف الأعمال القائمة يبقى مسؤولاً عن النهوض بالأعباء المنوطة بالحكومة وإداراتها العامة، ولاسيما في هذه الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد.
الحريري، اذاً، ممنوع من الصرف. سيبقى في الخدمة العامة، راغباً أو صاغراً. إنه لن يتردد في التوسع بممارسة تصريف الأعمال.
اللبنانيون متعّودون على معايشة حكومات تصريف الأعمال. حكومة الرئيس الراحل رشيد كرامي بقيت في حال تصريف الأعمال مدة سبعة أشهر خلال العام 1969، ولعل أغلبيتهم الساحقة ستكون راضية بل مُطالِبة بأن يمارس الحريري صلاحياته كاملة في تصريف الأعمال وأن يتوسّع في ذلك نظراً لاستفحال الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وتداعياتها.
لا شك في أن الضرورات الحاكمة في حياة البلاد والعباد تستوجب تطبيق مبدأ استمرارية الادارة. وهو مبدأ دستوري كما هو قاعدة شرعية. فالضرورات تبيح المحظورات، فلا أقل من أن تبيح اتخاذ التدابير المتوجبة في الأحوال الاستثنائية.
اندلع في لبنان جدل طويل في الماضي غير البعيد حول دستورية «تصريف الأعمال»، ولاسيما حول تحديد نطاقها وماهيتها وما اذا كانت مستعجَلة او غير مستعجَلة. وقد حسم الفقيه الدستوري الدكتور ادمون رباط هذا الجدل بقوله إن الرأي الذي يبدو اكثر دقة هو “أن الأعمال العادية هي الأعمال التي لا تتحمل التأجيل أو الإرجاء لحين تأليف الوزراة الجديدة”.
عزّز رباط رأيه باجتهاد لمجلس شورى الدولة (قرار برقم 614 تاريخ 17 ديسمبر 1969) قضى بأن الأعمال العادية «يُستثنى منها التدابير الضرورية التي تفرضها ظروف استثنائية تتعلّق بالنظام العام وأمن الدولة الداخلي والخارجي، وكذلك الأعمال الإدارية التي يجب إجراؤها في مهل محددة بالقوانين تحت طائلة السقوط والإبطال (…) والحرص على سلامة الدولة وأمن المجتمع وعلى سلامة التشريع».
الى ذلك، يستطيع رئيس حكومة تصريف الأعمال، أيّاً كان، أن يسوّغ لجوءه الى التوسّع في تصريف الأعمال، خصوصاً تلك التي تفرضها أحكام الضرورة، باعتماد نظرية الظروف الاستثنائية التي أجازها مجلس الدولة الفرنسي بردّه مراجعة (دعوى) لمستدعٍ كان طالب بإبطال قرار لإحدى البلديات بفرض ضريبة في اثناء فترة الحرب لأن فرض الضرائب هو من صلاحية البرلمان حصراً، فأكّد مجلس الدولة بقرار الرد أن الحرب ظرف استثنائي يستوجب اتخاذ قرار استثنائي.
الحريري ممنوع من الصرف من الخدمة العامة أثناء فترة تصريف الأعمال، لكنه سيُصرف بالتأكيد اذا نجح دياب في تأليف حكومة جديدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى