في عيد الجلاء ..أين المعارضة السورية في الخارج؟
ادريس هاني
تحتفل سوريا المجروحة ، الصامدة، المكافحة يوم 17 نيسان بذكرى الجلاء حيث تحيين ذاكرة الكفاح الوطني الذي تحررت بموجبه سوريا والتي لا زالت تستكمل نضالها ضدّ الأشكال الجديدة للإمبريالية..في هذا الوقت لا شيء يشغل المعارضة سوى كيف تعيق انعتاق سوريا من المؤامرة الجديدة لأنهم يدركون أن انتصار سوريا سيكشف عن تفاصيل نذالتهم ويقذف بهم في مزبلة التاريخ كرعيل الخونة في كل جيل..قيمة عيد الجلاء هي اليوم أكبر من كل وقت مضى..لأنّها ذاكرة التّحرر التي تحوّلت إلى ذاكرة حيّة معاشة..فسوريا لا زالت تخوض معركة التّحرر في أخطر مستوياتها، وهو كفاح فاق حتى زمن الانتداب نظرا لقوة المؤامرة والحصار والفتك والإرهاب الوظيفي والمغالطات التي خرّبت كل حقائق التّاريخ كما تعيشها المنطقة..تحررت سوريا وانتصرت وهي لا زالت تنتصر..
ننتظر من المعارضة السورية أن تحتجّ على أزمة المحروقات في سوريا دفاعا عن الشعب الذي نطقت باسمه خلال كلّ ملاحم التحريف الثورجي..هذا الذي يوجد في سوريا هو معظم الشعب السوري، لكن المعارضة تتمنّى أن يموت معظم الشعب السوري لتظفر بالسلطة على دبّابة رجعية وبشعب بديل من الأفغان العرب ومتمردي الشيشان وبقايا القاعدة..ليس في أجندة هذه المعارضة الحمقاء ما يرفع الحصار عن شعب صمد في ظروف هي الأصعب في تاريخ حصار الشعوب والأمم..أصدقاء الشعب السوري وفق إخراج الإخوان يساهمون اليوم في هذا الحصار ويباركونه..وفي الوقت الذي ينعى العالم حادثة كاتدرائية نوتردام دي باري وهي معلمة تاريخية مهمّة إلاّ أنّ المعارضة سعت لتبرير كل ما فعله الإرهاب في سوريا بحق الكنائس التي لها امتداد أقدم في التّاريخ..أصدقاء سوريا يتحرشون بالجولان ويمنعنون في الحصار..إنّ الحصار هو ابتزاز للشعوب ومقايضة لحريتها وسيادتها..هو البديل عن ثورة ملتبسة..فالذي يجوع الشعب السوري بالحصار الخارجي هو من زعزع أمنه بواسطة الفوضى..هل تملك المعارضة السورية اليوم وجها لاعتبار هذا الحصار جزءا من دمقرطة سوريا وتحرير شعبها؟ هل من صديق للشعب السوري يعمل على تحريره من ديكتاتورية الأزمات الاقتصادية الناجمة عن إمبريالية الحصار؟
لقد تبيّن أنّ ما كانوا ينوون تصديره لسوريا ليس هو الديمقراطية والحرية بل هو الجوع والحصار والتجزئة والهزيمة..إنّ مشكلة المعارضة السورية هو الرغبة الجامحة في استلام الحكم، مع أنّ الشعب السوري لن يقبل بحكومة الإخوان أو أدوات النّاتو المتلبرلين إلاّ على دبابة غربية أو رجعية..إنّ سبب حقدهم على روسيا وإيران هو كونهما أفشلا كلّ محاولات تجريد سوريا من أسباب القوة ليسهل ابتلاعها إخوانيا وإمبرياليا..وقد يكون من الإسفاف أيضا اعتبار أنّ إيران تدخلت لمنع مشروع الإخوان بل هي تدخلت كما فعلت روسيا لأسباب استراتيجية تفوق خيال الإخوان باعتبارهم أدوات رخوة سرعان ما تحولت إلى أدوات عنيفة بدأ من الجيش الحرّ الذي انضم إليه شباب من الإخوان وانتهاء بالنصرة وداعش في تطور ذُهاني للعنف..لقد تغنّى الإخوان كثيرا بالدم في سوريا وصدحت أنشوداتهم تتغنى بجداول وسيول دم بالشام، فهم جاهزون بالمزاج لحمام دم في سوريا من أجل أن يحكموا وينتقموا لمروان حديد وسعيد حوى وآخرين..كنت تستطيع أن تقرأ عناوين الثأر الإخواني من سوريا على جبين كل من أصابه مسّ من تلك الدعوة التي فشلت في تطوير مزاجها وخطابها وخلايا جسدها التي لم تتجدد منذ عشرات السنين..
يبقى السّؤال: هل بالإمكان أن تحصل مراجعة حقيقية أو مصالحة بعد أن فقد الإخوان كل أمل في تحقيق حلمهم بابتلاع سوريا؟
في الحقيقة لا يبدو أن الإخوان مستعجلون، فهم أغنى طائفة في المنفى. هم ليسوا أولئك النازحين المساكين الذين هجرتهم الحرب والإرهاب والتغرير..هم ماسكون بعصب الاقتصاد في العواصم التي بنوا فيها مستوطناتهم ولكنهم ظلوا حصان طروادة ينفذ غزواته عند كل تمكين..فالساعة البيولوجية للإخوان مؤقتة على السياقات الجيوسياسية..قبل سنوات طلب منّي بعض الأصدقاء وبعد عامين من الأزمة الإنخراط في وساطات وحوارات مع تلك الجماعات قصد المصالحة..وكانت أوراقي قد احترقت بعد أن أدركت الأبعاد الثأرية لهذه الجماعات..وكانت هناك مبادرات أخرى لم تعد مجدية..لقد آمنت بالحلّ العسكري لأنّ اللعبة قد تعسكرت منذ البداية..وكل مبادرة لإيقاف الأجندة العسكرية لسوريا ضدّ المسلحين كنت أفهم منها كما فهم منها السوريون أنفسهم أنها خداع ومحاولة لربح الوقت..إنّ الوساطة كانت ممكنة حين منح خالد مشعل فرصة أن يتحدث بما يهدّئ من ثأر الإخوان، ولكنه ظنّ أنّ مصير سوريا بات في يده فأصبح يقترح مهازل سياسية وشروطا صبيانية..كان الإخوان يزدادون توحّشا لأنّ مشعل كان له حديث في الكواليس مع الإخوان مشدود إلى ذاكرة الثأر وإلى أسطورة محرقة الإخوان..وسبق أن سألت في لقاء وفدنا الرئيس بشار الأسد عن وجود أي مبادرة للمصالحة، فقال بالحرف: لم تكن هناك أي مبادرة حقيقية..
لقد كان بإمكان مشعل أن يفعل الكثير..لكن الأمر كما يقولون كان أكبر منهم ، وهذا صحيح، ولكن أيضا لأنّهم جزء من ذاكرة الثأر لأنّهم ظنّوا أنّ سوريا ستسقط مثل أي بلد آخر كليبيا وتونس وغيرهما..كانوا يحلمون بدولة الإخوان في منظور سياسي جديد متصالح مع كل خصوم سوريا كإسرائيل ومنابذ لكل أصدقاء سوريا كروسيا وإيران..
يتقلص وعي الإخوان إلى أقصاه حين يتحدثون عن التغلغل الإيراني في سوريا، وهذا شيء مضحك تماما لأنّنا لم نشعر يوما أن إيران تتدخّل في القرار السوري..ثم يتقلص الوعي حتى يلتقي مع خطاب النصرة وداعش فتتحول القصة إلى طائفية تافهة تجاوزها الشعب السوري بتربية قومية مع وجود جيوب إخوانية تشدّ المجتمع إلى مستنقع الطائفية النقيض لمفهوم الدّولة..
لقد لعلع صوت العرعور خلال زمن الثورجية واكتملت الكتلة التّاريخية الرجعية لتحقيق الانقلاب الكبير لكن سرعان ما انهارت أحلام اليقظة وبدأت حقائق الواقع تصدم الإنشاء الثورجي..لا زال الإخوان متعجرفين ويرفضون الواقع ، فهم هائمون في معجم لفظي ثابت..فالذي رفض الحوار طيلة هذه السنوات هم الإخوان، لأنهم كانوا في وضع مريح جدّا، وهم رتّبوا حياتهم على أن لا يعودوا إلى سوريا إلا إذا حكموها..ومن هنا فهم غير معنيين بالحصار ولا بأي تهديد تتعرض له سوريا على مستوى أمنها ووحدتها الترابية وسيادتها.. تكفي الإخوان حكومة فقط حتى لو في الغوطة وحدها..اليوم يستطيع الإخوان ومعارضة الخارج أن تعيشوا الدفئ في عواصم الناتو لكن ماذا عن الحصار الذي يضرب سوريا اليوم بمباركة من أصدقاء الشعب السوري، أليست هي المفارقة؟
ادريس هاني