“ذي انترناشيونال انتريست”: الأسد ربح وعلى أميركا الرحيل
جيل بارندولار
تستعد القوات الحكومة السورية وحلفاؤها للتوغل في محافظة إدلب والقضاء على آخر المعاقل الرئيسية للمسلحين في البلاد. الغارات الجوية الروسية ضربت إدلب مطلع ايلول/ سبتمبر. يبدو أن الهدف من الإعلان عن اتفاق روسي تركي لإقامة منطقة عازلة في إدلب تأجيل هجوم واسع على المحافظة، لكن من المرجّح أن الأمر مجرد تأجيل مؤقت، لكن في هذا الوقت المتأخر قررت الولايات المتحدة التي تملك القليل من الأوراق مضاعفة تدخلها في سوريا. إن السياسة الأميركية في سوريا الآن في حالة يرثى لها.
في 3 أيلول/ سبتمبر الحالي غرّد الرئيس ترامب محذّراً (الرئيس السوري) بشار الأسد من هجوم متهور على محافظة إدلب. تهديد أُقرن بإعلان أكثر جدّية. الدبلوماسي جايمس جيفري الذي عيّنته الإدارة الأميركية حديثاً ممثلاً خاصاً بالشأن السوري أبلغ الصحافيين أن الولايات المتحدة أعادت تحديد أهدافها في سوريا لتشمل انسحاب كل القوات الإيرانية والقوات الحليفة لها من سوريا وإقامة حكومة مستقرة لا تشكل تهديداً وتكون مقبولة من كل السوريين والمجتمع الدولي مضيفاً أن هذا الأمر يعني أننا لسنا في عجلة من أمرنا.
في آذار/ مارس الماضي أعلن الرئيس دونالد ترامب “سنخرج من سوريا قريباً جداً”. قلما يتم الحديث عن النقاش الدائر حول شرعية المزيد من التورط الأميركي في سوريا. التفويض الذي سمح باستخدام القوة العسكرية ما بعد هجمات 11 ايلول/ سبتمبر تمّ تمديده وتوسيعه ليشكل ورقة التين القانونية للحملة ضدّ داعش في 2014. ولا يمكن الدفاع عن استخدام هذا التفويض لتبرير التدخل ضدّ الأسد وإيران.
بيد أن إعادة التأكيد على صلاحيات الكونغرس ليست بالأمر الذي يقلق إدارة ترامب. ما خلا بعض الاستثناءات البارزة فإن معظم المشرعين الأميركيين يتسمون بالحذر الشديد ويتخذون موقفاً حازماً ضدّ أي حرب فيما البعض لا يعرفون حتى أين توجد قواتنا.
تبدو التناقضات في السياسة الأميركية في سوريا صارخة. رهن ترامب الكثير من سمعته بالتقارب مع روسيا فيما تتلاحق العواقب السياسية الداخلية لذلك، لكنه الآن يهدد بمواجهة القوات الروسية في بلد لا توجد فيه مصالح قومية حيوية أميركية بالغة الأهمية. كذلك فإن أميركا أبعدت نفسها عن تركيا الاسلامية التي تعد عضوا اشكالياً على نحو متزايد في حلف شمال الاطلسي.
في غضون ذلك، يبدو أصدقاؤنا الإسرائيليون والكرد وكأنهم قبلوا التعايش مع نظام الأسد بمعزل عما نقوله، رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل ببقاء الاسد في السلطة.
الكرد السوريون الذين يشكّلون القوة الرئيسية المدعومة من الولايات المتحدة من خلال قوات سوريا الديمقراطية بدأوا محادثات مع الأسد وعقدوا اتفاقات محلية مع القوات الحكومية السورية. ما الذي نفكر أنه بوسعنا تحقيقه بمفردنا ونحن صفر اليدين؟
يجب أن نذكّر أنفسنا تحديداً ما الذي ستطيح به قوة الأسد الهائلة عاجلاً أم آجلاً؟ إن القوة المسلحة في ادلب ليست مؤلفة من قوات علمانية مؤيدة للغرب ولتوماس جيفرسون. الغالبية العظمى من هؤلاء الرجال إما قتلوا أو يتنعمون بالمال في بافاريا. إن المسلحين في إدلب هم بشكل اساسي من السلفيين الجهاديين رفاق الايديلوجيين للقاعدة إن لم يكونوا فروعها الفعليين.
بعد نقلهم إلى إدلب إثر استسلامهم وبعد اتفاقات محلية في جيوب أخرى تمتلئ بقايا المجموعات المسلحة بالمقاتلين الأجانب والمتعصبين الذين من غير المحتمل ان يتصالحوا مع نظام الأسد. ما يناهز 10 الاف مقاتل في إدلب لديهم ارتباطات بالقاعدة. بعض المدافعين عن إدلب ربما استغلوا بضع لحظات الأسبوع الماضي للاحتفال بذكرى هجمات 11 ايلول/ سبتمبر.
في 2016 وعد ترامب بإنهاء التدخل الأميركي والفوضى, في حين يبدو أن الحقائق على الأرض قد خففت من صرامة الرئيس تجاه كوريا الشمالية فإن الشرق الأوسط لم يحالفه الحظ. وبدلاً من ذلك ، أصبحت إيران هاجس الإدارة الثابت ويبدو أن النتيجة المحتملة هي المزيد من التدخل والفوضى.
اذا ما وضعنا التغريدات جانباً، فإنه من غير المحتمل في الواقع أن تقاتل الولايات المتحدة لوقف هجوم محتمل على إدلب. الأتراك قد يفعلون ذلك، هم يسيطرون على 12 نقطة مراقبة (هي اقرب الى مواقع قتالية) فهم لا يريدون تدفق مئات آلاف اللاجئين السوريين الجدد باتجاه حدودهم. وقد جرى تعزيز المواقع التركية بالدبابات وسلاح المدفعية الأسبوع الماضي.
لا يزال من الممكن حصول تصادم روسي تركي في إدلب بالرغم من أنباء اليوم (اإاعلان عن الاتفاق). الأرجح هو إعادة الاستيلاء التدريجي على المحافظة التي تبلغ مساحتها ضعف مساحة جنوب غرب سوريا الذي استعادته القوات الحكومية في وقتٍ سابق من هذا العام. إن هجوماً محدوداً من شأنه أن يسمح للقوات السورية باستعادة السيطرة الكاملة على طريق “ميم 5” الهام مع تقليل التكاليف العسكرية والسياسية. كل مناطق خفض التصعيد السابقة في حمص والغوطة ودرعا والقنيطرة تمت استعادتها بعكس التعهدات الروسية.
بغض النظر عن كل ذلك لا شيء يستحق حصول مواجهة بين القوات الأميركية والروسية. لقد تهربنا من الحرب مع روسيا في سوريا من قبل. وقد لا نكون محظوظين في حال أصرينا على البقاء. الأسد جزار وهو عميل لإثنين من خصومنا. لكنه أيضاً المنتصر في الحرب السورية. وعلى أميركا أن تعترف بما هو واضح.
المقال لـ جيل بارندولار، وهو مدير دراسات الشرق الأوسط في “ذي ناشيونال انترست”.