غير مصنف

الوثيقة  الاستراتيجية للتجمع

 

 

الوثيقة الاستراتيجيّة في 15-9-20

وملحق الوثيقة في  29 –6-2021

الوثيقة الاستراتيجية وملحقها تم التبني لهما  بالإجماع  خلال المؤتمر العام للأمانة العامة والمنسقين العامين للتجمع ، الذي عقد في 10 يوليو 2021 في بيروت  أونلاين من خلال تقنية  زووم.

 

الوثيقة الاستراتيجيّة في 15-9-20

 

التقرير السياسي:

العالم يتغيّر وحلف المقاومة يتقدّم

مقدّمات تأسيسية

 

قرنٌ يمضي بشعاعٍ في نهاية النفق….

تثاقلت الأشهر الأخيرة من القرن المنصرم، وأبت أن تذهب إلى زاوية النسيان بدون أن تشهد أحداثاً كبرى أشّرت إلى تحوّلاتٍ نوعيةٍ واعدةٍ منها:

  • 31 ديسمبر/ كانون الأول 1999 – تمخضت روسيا وقررت العودة إلى زمنها وجغرافيتها كقوةٍ محوريةٍ في تاريخ أوروبا ومستقبل العالم، تجسّد ذلك في انسحاب يلتسن وطغمته من الحياة السياسية وتسليم الكرملين بيسرٍ لممثل المؤسسة العسكرية “بوتين” وفريقه المفعم بوطنيّته، وبالعداوة للغرب، والعارف بما يجب أن يكون لاستعادة روسيا، وقد تشبّعت النخبة الروسية بنظرية الجيوبوليتيك – جيوبوليتيك روسيا – مشروع أوراسيا.

  • 25 أيار 2000، حققت المقاومة الإسلامية والشعب اللبناني انتصاراً ثميناً نوعيا يعتبر إعجازيا بكل المقاييس ومناهج العلوم العسكرية التقليدية. انتصارٌ غيّر من قواعد ارتكاز التوازنات الاستراتيجية في الصراع العربي – الصهيوني، بما هو الصراع الأبدي بين الشرق والغرب. أنهى عصرا من الهزائم وكشف عقم خيار النظم والنخب التسووية والخيانية، بفرضه الانسحاب الاسرائيلي تحت النار ودون تفاوض، وكرّس نموذجاً وسياقاً تاريخياً صاعداً وارثاً لقيم الأمة وتضحياتها يستحضر طبيعتها المقاومة والولّادة، وبذات القدر، كسر إرادة وقدرات الغرب عبر صنيعته العدوانية دولة الاستيطان الاستئصالي، وقرّر أنّها لم تعد سيدةً تؤمر فتطاع، ولم يعد يفيدها الاحتلال بفرض شروطها، وبأنّ خيار المقاومة مستندا الى الحق التاريخي والاستعداد للتضحية وبصحة القيادة واستراتيجياتها قادرٌ على استعادة الحقوق وفرضها بالقوة، فأسقط الانتصار كلّ منظورات التشكيك بفعل المقاومة وخيارها، كما انعكس باختلالات نوعية في توازن القوى في النظام الرسمي العربي – فأسقط حقبة السعودة والساداتيّة – واستحضر حلف المقاومة كقوةٍ محركةٍ فاعلةٍ في أحداث الاقليم، وغيّر الانتصار في توازنات لبنان ومكانته ووظائف كيانه.

  • 10 يونيو/ حزيران 2000: تفقد الأمّة أحد كبارها الأفذاذ ومؤسّس عصر مقاومتها، فقد وقع النبأ كالصاعقة، بيد أنّ الرحيل المفاجئ للرئيس حافظ الأسد لم يترك سوريا وحلفها للمقاومة في حالة فراغٍ كما خطّط ورغب الأعداء وارتهب الأصدقاء، بالقدر الذي بيّنت الأحداث أنّها أعدّت بمنظومتها وإدارتها لتنجز المرحلة الانتقالية على أفضل ما يكون، واختار الشعب العربي السوري سيادة الرئيس بشار الأسد وفوّضه بقيادته لمراكمة الانتصارات وتعزيز مكانة سوريا. فقاد سوريا وحلفها في أحلك الظروف وأشدّ المؤامرات على ذات قيمها التاريخية والتزاماتها الوطنية والقومية، وزاد من فاعلية وثبات حلف المقاومة الاستراتيجي ومعه تكرّست حقيقة أنّ عصر الهزائم قد ولّى.  

  • على خطٍّ موازٍ، انتخب بوش الابن ممثلاً فريق الصقور “الليكوديين في البيت الأبيض – المحافظين الجدد” رئيسا لأمريكا نهاية عام 2000، بنتائج مثيرةٍ للجدل، وبتزويرٍ فاضح، حسمت المحكمة العليا النتيجة بفارق صوت! الأمر الذي دلّ على أنّ الولايات المتحدة الأمريكية دخلت حقبة التوازن القلق في بنيتها والصراع بين تكتلاتها ولوبيّاتها، ومعه أطلق العنان للعدوانية والهمجية وحروب الإبادة وتشكيل الأمم، فاغتصاب الصقور للبيت الأبيض ليس منقطعاً عن هزيمة “إسرائيل” في لبنان باعتباره حدثاً زلزالياً يقعدها عن تخديم خطط لوبي العولمة الأمريكي العدواني ويؤهل أمريكا للاحتلالات العسكرية المباشرة.

وعلى وقع هذه الأحداث النوعية، سارت التطورات في السنوات الأولى للقرن الجديد، على خطوطٍ متوازيةٍ تجسّدت فيما يلي:

  • أثمر انتصار الـ 2000 في لبنان صعوداً لخيار المقاومة وثقةً مشفوعةً بأوّل نصرٍ نظيفٍ نوعيٍّ مغيّرٍ في الأحوال، فتعطّلت مفاوضات التسوية وانفجرت فلسطين بالانتفاضة الثانية “انتفاضة الأقصى” وعادت قضيّتها أولويّةً محوريّة. إلّا أنّ عملية 11 أيلول 2001 التي نفّذتها القاعدة في أمريكا، وفّرت الذرائع للمحافظين الجدد لوضع خطّتهم للقرن الأمريكي موضع التنفيذ الفوريّ، وأطلق بوش ما سمي بـ “الحرب على الإرهاب” وتركّز الاتهام للعرب والمسلمين بالتوحش والإرهاب، وعمّمت نظريات حرب الحضارات والأديان، وجرت صياغة التحالفات وفرضت القرارات على الأمم المتحدة والمنظمات العالمية بما يتساوق مع مشروع المحافظين الجدد، وشنّت الحرب على أفغانستان 2001 وجرى تدبير أكاذيب وفبركات، واحتلّت بغداد عام 2003.

  • بينما لم يكن لروسيا في مرحلتها الانهياريّة أيّ شأنٍ في مواجهة تحالف الأطلسي لإسقاط يوغوسلافيا وتفكيكها، وغزو أفغانستان واحتلالها، بدأ يظهر تمايزها في الحرب على العراق، وقد بدأ بوتين حملته لاستعادة الثروات الروسيّة والحدّ من سلطة الأولغارشيا.

  • قرّرت سوريا على لسان الرئيس الأسد أنّ الغزو الامريكي للعراق مرفوض، ومطلوبٌ قيام جبهة مقاومةٍ عربية، واحتضنت دمشق على ثوابتها وتقاليدها المقاومات في لبنان وفلسطين والعراق، ورفضت إملاءات كولن باول، مؤمنةً بأنّ الزمن والعصر بات عصر وزمن المقاومة وانتصاراتها، ومستعدةً لتحمل الأكلاف والقتال بلا هوادة.

  • وجاء نصر تموز 2006 الأكثر أهميةً في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي – الغربي، بدلالاتٍ تاريخيةٍ ومستقبليةٍ مؤسّسةٍ لعوالم جديدة، فبعد أن كسرت المقاومة ذراع “إسرائيل” الاحتلاليّة وألزمتها الانسحاب تحت النار، كسرت وأنهت آخر وكلّ عناصر قوّتها الاستراتيجية، ولم يعد “لإسرائيل” ذراعٌ طويلةٌ وقوةٌ ردعيّةٌ وقدرةٌ على خوض الحروب الخاطفة وفي بيئة الخصم، وأثبتت المقاومة وحلفها أنّها من نمطٍ جديدٍ تبني على الانتصارات ولا تفرّط بها، وأنها قادرةٌ على الردع وامتلاك وسائطه وأسلحته وعلومه، ومراكمة الانتصارات والقوة، ما انعكس انتصاراتٍ تاريخيةً في فلسطين، فتحرّرت غزة وفكك المستوطنات زارع أوّل أحجارها في غزة “المقبور- شارون” وانسحبت “إسرائيل” تحت النار وبلا تفاوض، وهيمن خيار المقاومة في الانتخابات النيابية الفلسطينية بقوة الصناديق والإرادة الشعبية.

فجرّاء هزيمة الكيان الصهيوني، وافتقاده لدوره الوظيفي، وثبوت عجزه عن تخديم المصالح والمشروعات الغربية، المتزامن مع صعود الصقور وأصحاب رؤية (القرن الأمريكي، وبناء الأمم، والمليار الذهبي)، تحوّلت أمريكا بنفسها وبجيوشها وفرضت تحالفاتها من خارج مجلس الأمن والشرعية الدولية، وزجّت بجيوشها وشركات الأمن الخاصة والمرتزقة، وغزت واحتلت مباشرةً لتأمين مصالحها ولحماية أدواتها من الأسر والنظم والجغرافيا القاصرة والمصنّعة على قياس المصالح الغربية المتساندة مع الكيان الصهيوني ولمحاصرة إيران ومحاولة إسقاط المقاومة في لبنان وفلسطين، وأصبحت دمشق هدفها، وتمّ افتعال أزمة مقتل الحريري، وخروج سوريا من لبنان، وشرعت في تنفيذ مخططات قطع طريق التواصل البري بين بيروت – دمشق – بغداد – طهران – موسكو.

الخلاصة:

 

تبعاً لواقع الزمن وأحداث التاريخ الكبرى، فقد بدأ القرن العشرون بسماتٍ عربيّةٍ إسلامية، عندما استهدفت الحرب العالمية الأولى تفكيك الإمبراطورية العثمانية واحتلال جغرافيا قلب العالم ومنشئة الحضارات ووطن الأديان، وعمل مقص سايكس – بيكو فيها، واستكمل بوعد بلفور، وتفويض الوهابية – السعودية شبه جزيرة العرب، وأنشئت ثلاثية تخادم وتخديم لتأمين السيطرة وقد ورثتها أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية وعزّزتها.

بيد أنّ المقاومة المستدامة للعرب والمسلمين، أشغلت القرن المنصرم على امتداده بالحروب والانتفاضات والثورات، فلم تهدأ الأمة وإقليمها يوماً ولم تستسلم، وإن استسلم بعضٌ منها “أمة المستعربين” رفضته وولّدت مقاوماتها، فاكتسب القرن المنصرم صفته كقرن المقاومة العربية والاسلامية، ومن ثمار تضحياتها ختمته ببصمتها الواضحة “انتصار 2000”.

ويمكننا التثبّت اليوم من حقيقة أنّ كلّ ما جرى في القرن الجديد، وخلال العقدين، اتسم بصفته العربية والإسلامية وبتصاعد خيار المقاومة وبلوغه حالة التأثير النوعي في إعادة تشكيل النظام العالمي وما سيستقر عليه، وإعادة تشكيل الإقليم وقواه، والمنطقي أن يكون خيار المقاومة السرّ والسبب المحوريّ في إعادة تشكّل العرب وبيئتهم ومستقبل أمم الإقليم.

العالم في حقبة التاريخ المفرط والزمن الفرط صوتي:

في سياقٍ متصل، حقّقت البشرية تقدّما ثورياً في اكتشاف قوانين الطبيعة ومخزوناتها التي لا تنضب، ونجحت في تطويعها وزيادة منتجاتها وتنوّعها، فأصبح اقتصاد العقل “المعرفة” مهيمناً، فالاختراعات لا تحدّها إلّا حدود الخيال، وتطوّرت وتيّسرت وسائط ووسائل بلوغ المعرفة وتعميمها وقاربت التطورات التقنية والتكنولوجية حدّ صناعة الذكاء، فبدأت تترك آثاراً نوعيةً في آليات وأسباب الانتظام الاجتماعي بين البشر أفراداً وجماعات، وتغيّراً جوهرياً في قواعد ونظم العلاقات الإنسانية في مختلف مجالاتها، وترافق ذلك مع ثورة الاتصالات وهيمنة “الجيو – اتصالية” التي تأسّست على مصالح شركات متعددة الجنسية إلى التشكيلات ما فوق القومية، وترسي قواعدها وقيمها ومصالحها مجاوزةً مفاعيل الجغرافيا، واللغوية، والتقاليد الموروثة والعقائد، وتتحوّل صناعة المستقبل كأولويةٍ وكخيارٍ واعٍ “الإرادوية” تدخليّ إنسانيّ فاعل لتلبية الحاجات الماديّة للبشر. فأدخلت الثورة الرابعة للتقانة البشرية في حقبة التاريخ المفرط، وعالم “الإنفوسفير” وامّحاء المسافة بين الافتراضيّ والواقعيّ في حياة الإنسان وعلاقته بالآخر. (كيف يعيد الغلاف المعلوماتي تشكيل الواقع الإنساني… “تكنولوجيا النانو، وإنترنت الأشياء، والويب، والحوسبة السحابية، وتطبيقات الهواتف الذكية، والشاشات التي تعمل باللمس، ونظام تحديد المواقع، والطائرة من دون طيار، والسيارة من دون سائق، ومعدات الحوسبة القابلة للارتداء، ووسائط التواصل الاجتماعي، والحرب السيبرانية…” أصبحت قوى بيئية وأنتربولوجية واجتماعية، تشكّل عالمنا وتعيد صياغة كيفية ترابطنا بلا هوادة، فانهيار الحدود الفاصلة بين الحياة متصلاً بشبكة حاسوبية وغير متصل بها، وقد أصبحنا متصلين بعضنا البعض بسلاسةٍ تامّة ومحُاطين بكيانات ذكية ومتجاوبة، فنحن جميعاً مندمجون في “غلاف معلوماتي إنفوسفير” عن أستاذ الفلسفة والأخلاق الإيطالي لوتشيانو فلوريدي.”

إنّ جملة التحوّلات الثورية التي أنجزتها البشرية في عقدين توازي ما أنتجته منذ وجدت على هذه البسيطة، والمنطقي القول إنّها ستغيّر بالإنسان الفرد وبالجماعات، وبأسباب تشكلها، كما تنسف الكثير من الهيكليات والتشكيلات وأنماط الانتاج والتوزيع وتنعكس في نتاجات نوعية في العقول وفي أهمية قوى الانتاج وطبائعها الجديدة، ما سيعيد صياغة الكثير من أنماط الحياة البشرية ونتاجاتها الحقوقية والثقافية، والمادية، وتنعكس في التفاهمات والصراعات وعناصرها وقضاياها الناظمة وتعبر عن نفسها بسقوط وتداعي القديم وصعود الجديد وتغيير مسارح القوة وأدواتها وجغرافيّتها.

عزّزت التحوّلات المتعاظمة من قيمة الزمن، ومع السلاح ووسائط النقل الفرط صوتية والفرط استراتيجية، ينبئنا الخبراء بتغيير نمط الحياة الإنسانية وربما تغيير الانسان نفسه، فزرع الشرائح الالكترونية في الدماغ، وربما إنتاج الانسان الهجين والاستنساخ، وزرع الخلايا البشرية في الحيوانات، والعلاجات الجينية، وتطّور علوم “جينولوجيا” المخ والخلية، وقدرة الكومبيوتر على قراءة الافكار، وتقانة نقل الذاكرة، ستبلغ بالإنسانية عوالم التحول بسرعة فائقة، وتعدنا تكنولوجيا “البلوك تشين” بنقلة هائلة الأهمية، فمن شأنها أن تلغي الكثير من وظائف الدول والأجهزة،  والنظم الحقوقية لحفظ الملكية، وتحيلها إلى خردةٍ وعبءٍ على الشعوب والأمم.

كلّ تلك التحولات الفرط تاريخية واستراتيجية لم تحصل بانقطاعٍ عن التحولات في البنى الاجتماعية والانماط الاقتصادية التي سادت واختبرت وانتفت صلاحياتها الزمنية وأوفت بما تستطيع، كآليات انتظام الجماعات البشرية، وكلها تتفاعل في تخليق المقدمات الموضوعية لإحداث نقلةٍ في طبائع وآليات وقوانين وقواعد انتظام النظام العالمي وفي إنتاج بدائل جديدة تنسجم مع حقائق ما بلغته الإنسانية وما تمّ اختباره في التاريخ.

 

ومن بين التحولات المؤسّسة نرصد:

 

– من العالميّة كمسارٍ طبيعيٍّ لتطوّر وإرتقاء الجماعات الإنسانية إلى إغتصابها بالعولمة المتأمركة:

فبعد سقوط الاتحاد السوفياتي هيمنت أمريكا وفرضت نموذجها الاقتصادي وقيمها وثقافتها وأنماط حياتها في عموم الكرة الأرضية دون منافس وعنوةً عن المقاومات المتفرقة، وبنموذجها الليبرالي الفاجر، والعدواني الاحتكاري المتوحش، سادت، فأصبح كلّ تمرد على النمط الاقتصادي والقيم العدوانية بمثابة صراع مع الهيمنة الأمريكية،  وتصاعدت المقاومة في أرجاء الكرة الارضية بطرق ونماذج متباينة، فنجحت الثورة في جنوب أفريقيا وأشّرت الى مستقبلٍ إنسانيٍّ مختلف، وحاولت أمريكا اللاتينية والكاريبي التملص من الهيمنة والنمط الأمريكي، كذلك نهضت آسيا وتسعى لفرض صيغتها ونمطها الاقتصادي الاجتماعي كبديلٍ تاريخي أكثر إنسانيةً وتشاركيةً وإنتاجية.

– بعد أن ساد النظام الرأسماليّ بصيغة الليبرالية الأمريكية، أخذ يتآكل وتضربه الأزمات البنيوية العميقة، وقد عبّرت عن نفسها في انفجار الفقاعة الأمريكية عام 2008 التي لم تعالج بتغيّرات حدية في النظام وقواعده بقدر ما عمدت أمريكا إلى تأجيل انفجار النموذج بتعميم أزمتها على العالم وزادت من اغتصابها للحقوق وفرض الأتاوات على دول الخليج، ونسمع اليوم ونقرأ الكثير من المعطيات المؤكّدة لكبريات دور الخبرة والدراسات الاستراتيجية المعمّقة والمتخصّصة: بأنّ أزمةً انهياريةً ستضرب الاقتصاد العالمي “الليبرالي” قريبا.

– أدّت إخفاقات أمريكا، وحلفها الأوروبي والعالمي في الحروب، وما تكبّدته من أكلافٍ فلكية، والتطورات التقنية وتأثيراتها، الى توفير الشروط الموضوعية بتفاعلها لإعادة صياغة موازين القوى العالمية لإنتاج نظام جديد يواكب التحولات البازغة، ما أسهم في ظهور التكتلات الدولية الصاعدة، وتحول ميزان القوى الاقتصادي والجيوبوليتيكي لصالح المشروع الأوراسي بقيادة روسيا والصين ويحقّق قفزات نوعية بات يبزّ أمريكا وغربها في الميزان الدولي.” اعلنها ترامب ان امريكا دولة مارقة وكاذبة وفبركت الذرائع لغزو العراق وتخوض حروبا سخيفة وقد تكبدت 8 تريلوينات دولار على مغامراتها- وبقراره الانسحاب من شرق الفرات وجه صفعة قوية للكيان الصهيوني ولحلفاء امريكا واكد انها تستخدم الاخرين كأحذية سرعان ما تلقي بهم في النفايات”.

– فقدت أمريكا والغرب الاطلسي أهمّ عناصر التفوق التي وضعتها في مصافّ الدول الكبرى والمهيمنة عالميا، فالبنية البيولوجية تميل لصالح آسيا والوطن العربي والعالم الاسلامي، وأفريقيا، فالمجتمعات الأمريكية والأوروبية وإلى حدٍّ كبيرٍ روسيا والصين تشيخ، ويتناقص العدد السكاني، ومع صعود العنصرية والإسلام-فوبيا، والعداء للغريب “الملوّنين والهسبانك” وما خلفته أزمة اللجوء السوري، وعودة الارهاب المتوحش الى الدول والمجتمعات التي أنتجته، لم تعد أمريكا وأوروبا قادرين على سدّ الثغرات وتعويض النقص باستيراد اليد العاملة والعقول مجانا، ومع شيخوخة المجتمعات تتراجع القدرات الانتاجية في عالم ما بعد الثورة الرابعة، وتميل الكفة بصورة نوعية لآسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، والأخطر من العجز البيولوجي يتقدم التخلف التكنولوجي وقد تقدمت آسيا بأشواط كبيرة، وأصبح السلاح الروسي الفرط صوتي يجاوز ما ينتجه الغرب بعقدين على الأقل، وباتت جغرافيا أمريكا ميدان أي حرب بعد أن كان حصنها وميزتها البعد الجغرافي عن مسارح الحروب والاحتماء بالمحيطات، فقد أسقطها السلاح الفرط صوتي والتقدم التكنولوجي والفقر البيولوجي والتحولات الانتربولوجية لجهة نهاية حقبة الأمم الامبراطورية، فالتراجع البيولوجي والتخلّف التكنولوجي على صلة رحمٍ في إنتاج المتغيّرات العالمية، والشواهد كثيرة، فـ”هواوي” الصينية جاوزت قدرات الشركات الامريكية برغم احتكاريتها، وحمايتها من المنافسات، والتجربة الإيرانية ذات دلالات، فمتوسّط عمر الخبراء النوويين الإيرانيين وعلماء التكنولوجيا دون الثلاثين سنة، بينما متوسط عمر الخبراء في أمريكا والغرب يفوق الخمسين سنة، وهذه خاصية ترسم لمن سيكون المستقبل والابداع فيه، والتمكن من السيادة.

  • ثم ضربت جائحة كورونا ضربتها وحسمت ان التقدم اصبح برمته وبمجالاته العلمية والاستشفائية وانتاج اللقاحات والاجهزة الطبية من حظ اوراسيا وبروتوكولات التعامل مع الجائحة من نصيب منظومات الاقتصاد الاجتماعي وبقايا تقاليد الاشتراكية فتقدمت كوبا وفرقها الطبية وادويتها لتعالج دول اوروبا الموبؤة بعد ان حاصرتها امريكا ورذلتها وسرقت شحناتها من اجهزة التنفس والكمامات، وابلت الجائحة على نحو هائل في كشف الاقتصاد الليبرالي الامريكي ونموذجه وعجزه الفاقع في المواجهة، فسرعت من احتمالات الانهيار الاقتصادي الليبرالي العالمي الذي بات في مرحلة الموت السريري ولم تعد تنفع فيه كثيرا استراتيجيات التمويل والتسيير الذاتي وضخ العملات المطبوعة بدون تغطية، فيؤكد الخبراء بان جائحة انهيار الدولار واليورو تطل برأسها ويشهد عليها الارتفاعات المستدامة لاسعار المعادن وبلوغ الذهب  عتبة ال 1900 دولار للأونصة وإرتفاع سعر الفضة ل 40 دولار لم يصلها من قبل ويسجل اول إرتفاعات كبيرة منذ اربعين سنة.

قاطرة مستقبل الإنسانية والنظام العالميّ في عصر الثورة الرقمية تسير على عجلات بمحاور أربعة غير منسجمة الجهد والشدّ.

فالصراع بين: الأطلسي – والأوراسي – من جهة

ودور حلف المقاومة العربية والإسلامية ثالثهما

بينما التحولات الثورية في قوى الإنتاج ومكانة الإنسان والعقل رابعهما

 

فكيف للقاطرة أن تخطّ مساراتها وبأيّة كلفة، واتجاهات؟؟

 

-1 المحوران المتصادمان: حواصل التحوّلات والتطورات، ومسارات الحروب ونتائجها، وانعكاساتها على توازنات القوى الدولية، ترسم ملامح النظام العالمي الجديد، ويتقدّم فيه محوران: محور أمريكا التي ما زالت مهيمنة وقوية ومالكة لعناصر قوة مرهوبة، والقادرة على تدمير العالم، أو أخذه إلى أزمة اقتصادية انهيارية تدميرية، فطبائعها العدوانية، ورفضها للتحولات والقتال هجوميا لإعاقتها من جهة، والمحور الثاني المتشكل في مشروع أوراسيا الذي تقوده روسيا دبلوماسيا وحربيا، وترسي عناصره وتؤسّس للتفوق الفاضح الصين بقوتها الاقتصادية، ما يفسر كيف ولماذا تستعر الحرب العالمية الاقتصادية والتجارية والمالية، وتتصاعد الأزمات من كلّ الاتجاهات وتنفتح ساحاتٌ وأقاليمٌ جديدةٌ للحروب والفوضى والاشتباك بالواسطة، وعلى ما سيكون لنتائجها تتقرّر فرص الغرب أو تراجعه وتحوّله عن قيادة العالم.

 

-2 المحور الثالث: المقاومة وحلفها كمحورٍ صاعدٍ وله دورٌ نوعيٌّ في الإخلال بالتوازنات العالمية وفي توفير بيئات صعود أوراسيا وإعاقة الهجومية الأمريكية العدوانية واستنزافها وإلحاق الهزيمة بمشروعاتها وخططها للهيمنة العالمية “القرن الأمريكي”… والحقّ يقال وتؤكّده وقائع الاحداث على مسار نصف قرن وما يزيد، وما حقّقه الحلف من انتصاراتٍ وإنجازاتٍ تاريخيةٍ مؤسِّسةٍ نسفت قواعد ارتكاز التوازنات الاستراتيجية في الاقليم والعالم – تجري عملية تجاهله وتبهيته، بقصد قاصد أو لهيمنة العقليات القديمة في قراءة الواقع وتحوّلاته-  فالحروب التي حالت دون الهيمنة العالمية الكلية لأمريكا جرت في بيئة العرب والمسلمين وفي جغرافيتهم ومعهم. وهم ومقاوماتهم من حال دون تحقيق القرن الامريكي ووفر شروط نهوض الأخريات، وأكثر من هذا، فالأزمات التي تضرب الغرب عموما واقتصاداته ونموذجه وقيمه وتقلّم قدراته وتحدّ من قوته، جرى تصنيعها في العرب والمسلمين. فلم يشهد العالم حروبا طاحنة غيّرت من التوازنات وكسرت أمريكا وأدواتها منذ حرب 1973 إلّا في العرب وجغرافيّتهم الحاكمة، من بيروت، إلى فلسطين والعراق والصومال واليمن فأفغانستان، والمواجهات الجارية في الخليج وفيها جمعيا تهزم أمريكا وتحالفاتها، ويتقدّم محور المقاومة ليسود، وبحسب علوم التاريخ والجيوبوليتيك، والأنثروبولوجيا، والجيوسياسية، والاستراتيجية: فمن يهزم عدوّاً بحجم أمريكا والغرب متّحداً ومعها مشيخاتٌ ونظمٌ صنيعة، وفي عزّ سيطرتها وحيث انكفأت الامم والقارات عن المواجهات لا بد أن يتشكل قوة صاعدة حاكمة وقاطرة في مستقبل البشرية، فلولا الحروب والمواجهات والمقاومة المستدامة للعرب والمسلمين لما بلغت امريكا وغربها الازمات التكوينية، ولما انكسرت قوتها العسكرية، الامور التي أمّنت لروسيا العودة والصعود والتحول الى قطب عالمي وازن ومقرر ومن المنصّة السورية “قلب حلف المقاومة وذراعها” وبفعل اقتدارها في إدارة والظفر بالحرب العالمية العظمى الجارية،  ولما كانت الصين امتلكت الزمن والقوة لصعودها، والخروج من جدارها العظيم، وتشريع المشاركة في الحرب ضد الارهاب وزرع القواعد العسكرية في بقاع عالمية، ولما توفر لألمانيا واليابان أن تعاندا امريكا وترفضا إملاءاتها، ولكوريا الجنوبية وماليزيا والبرازيل وجنوب أفريقيا فرص التطور الاقتصادي والتقني.

-3 المحور الرابع: الحياة الإنسانية وآليات انتظامها، وقواعد ونظم تفاعل قوى الإنتاج، ووسائطه، وعلاقات الإنتاج وأنماطها، بما أن الإنتاج هو غاية الإنسان الفرد والجماعة لتوفير أسباب وشروط الحياة المادية والروحية، دخلت في حقبة نوعية غير معاشةٍ سابقاً، ومن المنطقي القول إنّ القواعد والتشكيلات والمنتجات الحقوقية ستتغيّر لتتساوق مع طبائع المتغيّرات في العناصر المادية ووسائط إنتاجها. فالتشكيلة الرأسمالية في مرحلتها الليبرالية المتوحشة والأكثر تمركزا واحتكارية وعدوانية، لم يعد لها قابلية الحياة و- أو اصلاح وتجديد نفسها.

والتجارب المعاشة كبدائل “الاشتراكية ودولة الرعاية الاجتماعية، ورأسمالية الدولة الاحتكارية” سقطت بقوة عجزها واستنفاذ حقبتها التاريخية.

ووسائط السطوة والتحكم التي كانت بين يدي النخبة والدول المتقدمة تؤمّنها وتعطيها قدرة الهيمنة، قد أصبحت ملكاً شائعاً عموميا، فالإعلام التقليدي فقد دوره ولم يعد احتكاريّا مع وسائط التواصل الجديدة والاتصالية والذكاء الصناعيّ، وانحياز البيولوجيا والتكنلوجيا لقارات وأمم أخرى، والسلاح وتصنيعه لم يعد مقتصرا على قوى ودول بعينها، والجيل الرابع من الحروب أسقط الأسلحة والتشكيلات التقليدية ورفع من شأن المقاومة وحروب العصابات والشعبية، فصناعة المتفجرات والسلاح بأنواعه المتقدمة باتت يسيرةً وسهلة لمن يسعى إليها، والقوة العسكرية التقليدية وأسلحتها باتت عاجزة عن تحقيق الانتصارات وكسر الارادات وتغيير الاتجاهات التاريخية الجديدة، فتجربة غزة، وطائراتها الورقية وبالوناتها الحارقة، ولبنان وتمكّن المقاومة، والاكثر دلالة تجربة “أنصار الله” في اليمن، وما بلغته صناعتهم من تقدم أسقطت السلاح وتقانته المتقدمة عند الغرب مجتمعا ومعه “إسرائيل”، وكرّست  الاحتكاكات في الخليج بين امريكا وحلفها وجمهورية ايران الإسلامية، انكسار القوة الامريكية وعجزها عن خوض الحروب. بل لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية تقر امريكا بعجزها عن حماية البحار والتسلط على الممرات.

وطبيعة اقتصاد المعرفة ومكانته كمحرك محوري للتحوّلات بصفته اقتصاد العقول، والعقول مع التواصلية وشبكاتها باتت متفاعلة والتوثيق، والارشفة والتعليم بات سهل المنال وعبر الاجهزة الذكية، فكثير من المهن والمؤسسات واشكال الدول ونظمها التي كانت، ستشهد تراجعات واندثار، بما في ذلك اهمية الامكنة والابنية، والطرقات، والترجمة والمحاماة، والطب التقليدي واختصاصاته، والأموال والنقد سينزاح لصالح العملات الرقمية، بما يؤكد حقيقة الخالق بخلقه وبأن الانسان أثمن رأسمال والانسان الجديد يتحول الى غير اجتماعي تقليدي في أنماط حياته وتسود الليبرالية الشخصية والفردانية وتتفكك وتندثر الاواصر والروابط التقليدية “الاسرة- الهويات المؤسسة- الهويات المتعارف عليها- المحلية والهويات الروحية” بينما تتعزز مقولة ان السلعة ستبقى منتجا اجتماعيا وصارت النتاجات العقلية من السلع والعقول “الذكاء الصناعي” نتاجات اجتماعية جمعية، وبتغيير قواعد وانساق الانتاج المادي وهيمنة العقلي تتغير المنتجات الفكرية والثقافية والعقائد والحاجات الروحية والعلاقة بين الانسان والخالق لتعود كما ارادها الله وارسل رسله وكتبه لتكريسها كعلاقة خاصة فردانية ثنائية بلا توسّطات وبلا تسييس للأديان والطوائف وستتراجع محاولات البشر لتشغيل الله عز وجل والانبياء والرسل والايمان في خدمتهم لاستلاب الاخرين وزجّهم في حروب التوحش – انتهى زمن وبيئات تسييس الدين وتحريفه والعقائدية –

كلّ ما يجري حولنا وما نحن فيه، يؤدي الى حقيقة أكيدة والى اتجاهات مستقبلية حكمية، تتلخص بضرورة إنتاج نظام عالمي يحمل سمات الجديد في المتحقق، ويلغي زعم وادعاء الامم والاعراق والجغرافيا بتفوقها “كشعب الله المختار” والتي حكمت وسادت لخصائصها ولذاتها.

وهذا العالم الجديد الجاري تشكّله، وغير المدركة صورته الكاملة، ونظامه وقواعده وقوانينه، لعب في استعجال ولادته حلف المقاومة وما حقّقه من انتصاراتٍ غيّرت في التحالفات، والتوازنات الاستراتيجية ويعود للعرب والمسلمين وجغرافيتهم وبشرهم الفاعلين، ويجب أن يتقدّموا وأن يتشكّلوا محوراً في صناعة العالم الجديد ونظمه.

ملاحظة تأسيسية في التقرير السياسي

يصاغ تقريرنا على منهجٍ معرفيّ، وبرؤيةٍ تختلف زواياها عن النظريات التقليدية السائدة، وبقواعد تتساوق مع الجديد الجاري في الانسانية والعالم وتوازناته، فمنهجنا على طلاق مع العقلية الماضوية، ومع أدوات الاشتغال بالعتيق الدارس، ومحاولة استدعائه وتأبيده لتجاهل الواقع ومعطياته المادية وتحولاته للتغطية على العجز والنكوص عن التأسيس لبناء المستقبل الواعد – فما نصنعه اليوم هو المستقبل .

ومنهجنا متحرر من عقلية الهزيمة، ومن منطق ثبات الاشياء والتعامل مع امريكا والكيان الصهيوني كأنهما قدر دائم القوة والتحكم، ودعوتنا ان نتعظ من الجاري، وان نجتهد في التعرّف على الواقع كما هو لا نزيّنه بالرغبوية ولا تجاهله ونفيه بالعقيدية الجامدة، فالقائد هو من يعرف الجاري اليوم وما سيكون غدا، ويتدخل بوعي ليصبح الغد ملكه.

ولن نعير انتباهاً لتوصيف تقريرنا بالتفاؤلي، فجلّ ما ورد فيه موثق ومستمد من الواقع عينه يرصد جريان الوقائع والاحداث ويقرأ بدلالاتها وما تتسبب به وتفاعلها لإنتاج ظواهر تؤسس لجديدها.

فالتفاؤلية سمة الانسان الجاد والفاعل، ومن طبائع المقاومة وخيارها، ونجزم بأنّ ما جاء فيه من معطيات، ومن تحليل، ليس منقطعا عما قاله مرارا وتكرارا الرئيس الاسد، وكرره السيد حسن نصر الله كتوصيفه لبيت العنكبوت ولقوة المقاومة وحلفها، ولقدرته على انتزاع الانتصارات وتغيير البيئات، ومتساوق مع يقوله القائد الخامنئي ويردده قادة إيران.

فتصديقنا لتلك الخطب متقاطع مع رصد مؤداها ومفاعليها في الميدان وما ينجز من تغييرات بنيوية واستراتيجية في صياغة واقع موازين القوى والتأثير في خيارات المستقبل ومساراته.

والأمل أن تناقش الوثيقة بقاعدة الحوار العقلاني والتفاعلي، فلنغادر قواعد الحوارات السابقة والتقليدية التي تحكمها النصية، والسجالية.

فخيار المقاومة خيار حيويّ حركيّ يرى الامور من منظورات مختلفة ويخطط استراتيجياته وتكتيكاته بتفاؤلية وبالكثير من الامل والحلم والعمل لتغيير الواقع وقلبه عكسا، وفي مساراته لم يعر الآراء الواهمة والتوهينية والإحباطية أهمية، يشتقّ الانتصارات من قلب الهزائم، ويؤمن بالإنسان وقدراته، ويرى الزمن في صالحه ولهذا انتصر ويراكم انتصاراته…

العالم متوتر على وقع توازناته المتغيّرة والبشريّة تبحث عن خياراتها البديلة

حلف المقاومة الصاعد يقرّر ما سيكون الوضع العالمي:

في الواقع ومعطياته:

بعد انهيار الاتحاد السوفياتي أخضعت امريكا الغرب، والاتحاد الأوروبي، وعزّزت هيمنتها وأطلقت نموذجها وقيمها وألزمت الجميع بتبنّيها، وحسمت في خياراتها وبنيتها الاجتماعية والاقتصادية وفي نخبتها الحاكمة على قواعدها وطبائعها. وحوّلت الدول والنخب الحليفة الى ادوات لتخديم مشروعاتها، وكذا تحولت الهيئات والمنظمات الاقليمية والعالمية الى استطالات في ادارة واجهزة العدوانية الامريكية، وتصرفت ببلطجة فاستبدلت الشرعية الدولية، والمنظمات ذات الصلة، عندما لم تلبي خياراتها بأن أنشأت التحالفات العدوانية من خارجها وزجّتها في حروبها وعلى مزاجها.

فبات لزاماً عند مناقشة وضع امريكا أن يعالج وضع الإتحاد الاوروبي وحلفائها رزمة واحدة.

1-أمريكا مأزومة، وتسهم في تأزيم عالمها وحلفها:

 

تقدم لنا المعطيات المعاشة، والدراسات والتقارير كمّاً مهولاً من الوقائع المادية التي تجزم بأن امريكا في ازمة بنيوية تضرب في النمط والنظام الاقتصادي والاجتماعي تضعها على عتبة احد خيارين، الأمركة بمعنى العودة الى الجزيرة والعزلة “الانسحابية الترامبية الجاري تنفيذها” أو رفض الجاري ومعاندة منطق التحولات والاندفاع أكثر الى الحروب وافتعال التفجيرات والحرائق ما استطاعت، واشاعة الفوضى العالمية، والتسبب بحروب عالمية او قارّية قد تؤدي الى الإبادات الجماعية، وبين هذين الخيارين لا يجب استبعاد الانهيار الداخلي، فكثيرة هي المؤشرات والدراسات الدالة على هذا الإحتمال.

وتتجلى أزمة أمريكا النوعية في التالي من المعطيات:

  • إستمرت المراوحة في اعتماد الخيارات الاستراتيجية لإعادة هيكلة أمريكا ودورها عشرون سنة، فاختبرت العسكرة والحروب وفرض النموذج بالقوة وهزمت”  وقد صدق ترامب في توصيفها دولة مارقة وكاذبة” ثم وبعد تقرير بيكر هاملتون 2006 الذي اقر بالهزيمة وباستحالة تحقيق مصالح امريكا بالغزوات والحروب واعترف بان العرب واقليمهم تشكلوا قوة صلبة مقاومة ممانعة اعجزت امريكا واستنزفتها، وقلّصت من قدراتها ومن عناصر قوتها وقيدتها، ودعا الى التحول لآسيا والباسيفيك، حيث الخطر الصاعد، حاولت المؤسسة الحاكمة تغيير جلدها ولونها لتقديم نفسها بطريقة مختلفة “سوداء مهاجرة وباسمة ومن اصول اسلامية” وبخطاب تصالحي مع الاسلام واستهداف افريقيا خلال حقبة باراك اوباما، بيد ان توازنات قواها الداخلية وسيطرة الليكوديين على مفاصل حاكمة في اجهزتها وادارتها “الليكوديون هم قيادة لوبي العولمة الامريكية” افشل الجهد، فأنتجت الانتخابات الامريكية ظاهرتها غير التقليدية الساعية الى تغيير امريكا نفسها لتغير في العالم، وصل ترامب الى البيت الابيض من خارج السياق والتشكيلات الامريكية التاريخية التقليدية، ومن فوره اشعل الحروب في الداخل الامريكي، واطلق العنان للازمات في خارجها، معتمدا استراتيجية اللا-استراتيجية، في السياسات الخارجية ويتركز جهده على كسر لوبي العولمة، كما في امريكا ايضا في عموم دول نفوذها وسيطرتها كالاتحاد الاوروبي وامريكا الجنوبية وحيث طالت يده.- وبقراره الانسحاب من شرق الفرات وترك عملائه في العراء دليل على انه جاد وان امريكا ستنسحب من الاقليم وانسحابها سيطلق حقبة انهيار النظم والجغرافية التي نشأت بموجب نتائج الحرب العالمية الاولى ومقص سايكس بيكو وعد بلفور وتفويض الوهابية السعودية في الجزيرة والعرب والمسلمين.

  • كرر ترامب مقولته ان حروب بوش الابن عبثية وكلفت امريكا في العراق والعرب 8 ترليون دولار بلا جدوى، وانه سحب القوات من افغانستان محتفظا ب8000 ومن العراق الى حدود 4000 وصفر الوجود في سورية.

  • الترامبية ليست لقيطة في امريكا بل تعبير اصيل عن جوهرها وطبائعها، وباتت حاكمة وربما تستمر كنهج، وهي تقف على مفترق فكل ما يجري فيها وما تحاوله يتركز اليوم على جولة فاصلة في توازناتها ويسعى ترامب لتأمين ولاية ثانية “وليس ما يمنعه عن استخدام السلاح والمسلحين الذين طالما هدد بهم، وتسعير التناقضات الطبقية والعنصرية الى حدودها القصوى” ليفرض خيارات لوبي الامركة بالانسحابية والانكفائية والتركيز على معالجة ازمات امريكا واعادة انهاضها والاحتفاظ بها قوة عالمية وازنة وقائده.

  • يتنازع امريكا ما يشبه الحرب الاهلية وتستخدم فيها كل الوسائط والوسائل ويتعمق الانقسام العامودي ويتركز في لوبيّاتها عناصر القوة العاتية، فلوبي العولمة يمتلك قدرات ونفوذاً واسعاً، في البرلمان والكونغرس والوكالات والاعلام التقليدي و”وول ستريت”، وصناعة السلاح والحروب والتقانة، ويخوض حربه لقطع أذرع ترامب في الاتحاد الأوروبي والخليج والدول التابعة “أزمة الخاشقجي في وجه حليف ترامب محمد بن سلمان – أردوغان والاخوان المسلمين حلفاء لوبي العولمة”، ولإعاقة انفتاحه على روسيا وتركيز العداء للصين، بالمقابل يقف بالمرصاد لوبي الامركة “ترامب” ولا يدخر وسيلةً أو جهداً إلّا ويستخدمها لإلحاق الهزيمة بلوبي العولمة وأدواته وهو دائم التغير في المناصب والمسؤولين، والتقلب في السياسات والتغريدات، وبافتعال الحروب العالمية الاقتصادية والمالية، والانسحاب من التعاقدات والاسواق المشتركة، ومن المنظمات العالمية ملتزماً شعاره بتدمير العولمة وادواتها، وتحرير امريكا من تعاقداتها، أو إخضاع الجهات المتعاقدة لمشروعه بأولوية أمريكا وبالأمة الأمريكية العظيمة وبضرورة أن يدفع العالم لإخراجها من أزماتها ومن خطر انهيارها.

  • فانشغال أمريكا بصراعاتها الحدّيّة في الداخل والمؤسسات يشغلها عن امتلاك رؤية استراتيجية فاعلة وهجومية ما يقدّمها مرتبكة ومتوترة تهوّل بيد وتحمل غصن الزيتون وتهرول للتفاوض بالثانية.

  • الحرب الداخلية الأمريكية، تسوّق نفسها على عوالمها وتحالفاتها، وتترك بصماتٍ وأثراً مدمّراً في الاتحاد الأوروبي واحتمال انفجار وحدته وتعميق أزمات وحدته الوطنية “وقد التزم ترامب تدمير الاتحاد الأوروبي والانسحاب من الأطلسي ومن مهمة حماية أوروبا وآسيا إن لم تدفع وتزيد حصصها في تمويل الناتو” والدول الأوروبية مأزومة مالياً واجتماعياً وجهويّا” مديونيّات فلكيّة- وعجز الموازنات- وتراجع حصتها السوقية- وتخلف صناعاتها، وتقادم قواها العسكرية” وتتصاعد أزمة هوياتها المؤسسة، وإثنياتها، ويزداد الرفض لليبرالية نختبها واقتصادها، وقابليات الانفجار الاجتماعي كبيرة في دول الجنوب، وفرنسا، فتبدو ألمانيا الوحيدة القادرة والقاطرة ويستهدفها ترامب، فتحاول الاحتماء بموقف مختلف من الازمات، بما في ذلك الحصار والقطيعة مع روسيا والحرب الاقتصادية مع الصين، وفي  أزمات الشرق العربي والاسلامي، ورفضت الاملاءات الترامبية بزجّ قواتها العسكرية في سوريا والانخراط في حماية الناقلات في الخليج.

  • وأمريكا المنكسرة قدرتها العسكرية والمهزومة في حروبها المسلحة، تواجه خطر الهزيمة الكبرى في الحرب الاقتصادية والمالية، بينما أبدت روسيا والصين صلابة نوعية في المواجهات والردّ ورفض الانصياع وقد بدأ تحالف أوراسيا خطوة نوعية في تعميق التحالف الاستراتيجي واستعراض قوة الطيران والعمليات الجوية المشتركة في بحر الصين وآسيا في تحوّلٍ غير تقليديّ في مؤشراته وتأكيد جدية أوراسيا على المواجهة بما في ذلك العسكرية، وقرار الصين طازج في الاستعداد للحرب والمواجهة المسلحة والصين وروسيا سدّدا ضربة قاصمة للترامبية عبر كوريا الشمالية وتستفزه بالتجارب الصاروخية، وفي الحرب الاقتصادية اعلنت الصين شروعها في استخدام اسلحتها الثقيلة” وقف استيراد المواد الغذائية والزراعية الامريكية في ضربة لقاعدة ترامب الاجتماعية” وخفضت سعر صرف “اليوان” كإنذار لبدء الحرب المالية وحرب العملات، وتهدّد باستخدام أسلحة التدمير الشامل الاقتصادية بما لها من باعٍ في سندات الديون الأمريكية حصّتها منها تريليون وفائض من الدولارات، ولها تريليونات من العملات الصعبة الدولارية، والراجح ان أوراسيا ستكسب الحرب الاقتصادية والمالية كما تفوقت بالسلاح الفرط صوتي وبالتكنولوجيا، وبمواجهة جائحة كورونا حيث عجزت امريكا واوروبا، وبدأت تعاملاتها التجارية بالعملات الوطنية، وتستعد لإطلاق عملتها الرقمية ما يهدد مكانة الدولار كسلاح أمريكي عالمي مدمر.

. •لم يعد الحديث عن تصدعات عامودية تعصف بالمجتمع الامريكي وتهدده بحروب وفوضى اهلية، كلام وتمنيات فقد شهدت المدن الامريكية جولات عنف وتظاهرات صاخبة، وازالة رموز امريكا التاريخية وتدمير التماثيل، وحرق العلم الامريكي، وتصاعد حدة الاستقطابات الدينية والعنصرية وعمليات مسلحة ونهب، وشبه فوضى وحروب اهلية محلية مع مقتل جورج فلويد الذي اشعل حقلها العنصري اليابس وقد ترددت صداها في عموم اوروبا وتنهض في امريكا تشكيلات سياسية ومسلحة عنصرية تقابلها تشكيلات اخرى ويتقدم دور القوى والمجموعات اليسارية المحكمة التنظيم والجهد” منظمة انتيفا- اتهمها ترامب بالمسؤولية الاساسية عن معارك الشوارع وحشود الغاضبين” فعمد ترامب الى محاولة استخدام الجيش وفرض الامن بالقوة العسكرية، بيد ان قادة البنتاغون ووزراء الدفاع رفضوا الامر باعتباره خروج على قواعد وقوانين ودستور امريكا، فسارع ترامب الى دعوة انصاره لفرض الامور وتحرير الولايات التي يحكمها الديمقراطيون بالقوة العسكرية وشهدت بعض الولايات تظاهرات مسلحة لانصار ترامب، ونجح في التحايل على القوانين الامريكية باعداد قوات عسكرية شبه مليشياوية بغطاء رسمي وزج بخفراء الجمارك والمراقبين الامنيين وسلحهم والبسهم البزة العسكرية، فيحزم امره قبل اسابيع من وقيعة الانتخابات الرئاسية للاستيلاء على البيت الابيض بالقوة ان خسرها في الصناديق مؤسسا لانقلابه برفض الانتخابات عبر البريد او الشبكة العنكبوتيه، متهما الديمقراطين ومنافسيه بالتزوير المسبق، وبتغريدات يعد الامريكين بانه باق رئيسا للولايات المتحدة برغم ما تقدمه استطلاعات الراي من انهيار شعبيته بالمقارنة مع مرشح الديمقراطيين، ما دفع بجون بايدن للقول: سنستجير بالبنتاغون لاخراج ترامب  من البيت الابيض، ونقرأ على نحو غير مسبوق في الادبيات الامريكية  ودراسات كبرى المؤسسات الاستراتيجية وتخليق الافكار والخطط عن احتمالات انقلاب عسكري.

الخلاصة:

 

أمريكا في رحلة الانحسار والتراجع وقد تستعجل الخروج من عالميتها بانشغالاتها في صراعاتها الداخلية وبين لوبيّاتها، وتفاقم ازماتها وانفجار الصراع العنصري – الطبقي الاجتماعي- والاحتمالات الوافرة لانهيار مالي اقتصادي تحت سطوة جائحة كورونا ومثالب نمط الاقتصاد الليبرالي بنسخته الامريكية المتوحشة، ومع منصات لوبيّاتها في الاتحاد الأوروبي وعوالمها والدول التابعة لها، وهي تنحسر لا بد أنّها ستأخذ معها عالمها الى التراجع وربما الانهيار ، فمن غير المستبعد ان يشعل ترامب في الاسابيع القليلة القادمة حروبا وحرائق في كل مكان والعيون تتركز على الحرب مع الصين وفي بحرها، فتوريط امريكا بحرب كبيرة تجيز له البقاء في البيت الابيض بموجب اعلان حالة الحرب- الطوارئ وليس من احد او من قوة تحول دون اقدام ترامب على مغامرته فهدفه وشغله الشاغل البيت الابيض ولو انهار كل شيء.

2-عالم أمريكا، مأزوم وعلى مفترق التحوّلات الكبرى:

 

أ – الاتحاد الأوروبي ومستقبله القلق:

  • تتجاذب الاتحاد الأوروبي ونخبه وجمهوره الصراعات على وقع الانحياز للوبيّات واشنطن المحتربة ويراكم ترامب أوراقه في وجه حلفاء لوبي العولمة، وقد نجح في جذب بريطانيا عبر صنوه جونسون وعلى طريقته سينسحب من الاتحاد الأوروبي بلا اتفاق “أو يأخذ بريطانيا الى انتخابات مبكرة وازمة سياسية تهدد وحدتها واستقرارها” وإن فعلها ولم يسارع الاتحاد الاوروبي لاسترضائه بتعديل اتفاق الانفصال فالمنطقي انه سيتسبب باختلالات وازمات نوعية لبريطانيا المشغولة بأزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية وبوحدتها المهددة بانفصال اقاليم منها، وتنعكس بتوترات شديدة في عموم الاتحاد الاوروبي وبنية دوله وهزّ استقرار وحداتها التي تعيش ازمات عميقة كإسبانيا، واليونان، والبرتغال، وايطاليا، وليست بعيدة عنها فرنسا المشتعلة بأزمة السترات الصفر، كاختبار عمليّ لحراك اجتماعي طبقي في مواجهة خيارات الليبرالية الاقتصادية والتبعية للوبي العولمة، فماكرون جاء من بيت روتشيلد العائلي والمالي والعلاقات بين ترامب وماكرون على أشد ما تكون من صراع مشخصن.

  • والصراع بين ترامب – جونسون والاتحاد الاوروبي سيتعمق ويزداد الشرخ، ولن يدخر ترامب فرصة للابتزاز وفرض ارادته لإعادة صياغة الاتفاقات والاسواق الاقتصادية وتحميل اوروبا المزيد من الأكلاف والضرائب على منتجاتها وصادرتها لأمريكا “التلويح بفرض ضريبة على النبيذ الفرنسي- وفرض ضريبة على صادرات الصلب الاوروبية” لإجبارها على إعادة هيكلة نفسها واقتصادها في خدمة مشروعه لأمريكا أولا، وبعض قصده كسر لوبي العولمة في العالم لكسره في امريكا.

الاستنتاج:

الاتحاد الاوروبي شاخ، ولم يعد ذا أثر، أو صاحب استقلالية وهو مأزوم في دوله وفي اتحاده، وميدان صراع لوبيّات امريكا وتصفية حساباتها، ويقع على حدود الصراع بين المحورين العالميين أوراسيا – أمريكا.

وعجز الاتحاد الاوروبي فاقع في الشرق العربي وليبيا وافريقيا كما في الخليج والصراع العربي الصهيوني، والصراع بين اوراسيا الصاعدة وامريكا المنحسرة، ما يعزز الانكفاء الأوروبي والانشغال بالأزمات الاجتماعية والوطنية امر حاكم في مستقبل اوروبا.

 

ب – أمريكا اللاتينية:

 

  • المواجهة في فنزويلا: فشلت الحملة الترامبية لإسقاط الثورة البوليفارية في فنزويلا، أو الحدّ من قدرات كوبا، ونفوذها وتعاظم قوتها في القارة، وافلحت في مواجهة كورنا واسهمت بعشرات الاف الفرق الطبية في امريكا الجنوبية واسبانيا وايطاليا والقارة العجوز، وتحقق للمشروع الامريكي الفشل، لأصالة الثورة وعلاقتها مع شعبها، وتماسك مؤسّساتها، وللدور المحوري الذي لعبته أوراسيا، واستعداد كل من الصين وروسيا للقتال وإسناد الحكومة الفنزويلية الشرعية، وبرغم هزيمة الانقلاب الترامبي تنهب الاموال الفنزويلية، وتجري محاولة اسقاطها من الداخل وعبر الحصار والتأزيم وافتعال الحروب الاهلية والقارية، بينما المعطيات والادلة والادارة المتقنة للمعركة من قبل فنزويلا، تفيد بأن محاولات ترامب ستخيب ولن يستطيع فعل ما يريد وعزز من صمودها تحول محور المقاومة الى الهجومية على مختلف الصعد فتحدت ايران امريكا وحصارها وارسلت السفن والبواخر الغذائية والمشتقات النفطية، وقطع الغيار لاصلاح شبكات الطاقة ومصافي النفط واوصلتها سليمة الى الكاريبي وموانئ فنزويلا، فاسقطت استراتيجات التهويل الامريكية بالضربة الايرانية القاتلة، ولم يعد باستطاعة واشنطن تحقيق مكاسب عبر الحصارات واقفال المضائق والممرات، ولا بقوانين قياصرتها العاجزين وفاقدي القوة والقدرة والعدة لفرض قوانينها والزام العالم بها.

 

  • البرازيل:

نجحت الترامبية في الانتخابات البرازيلية، وجاءت برئيس صنو ترامب، بيد أن قوة التجربة الاجتماعية التي قادها “لولا دي سيلفا” وحزب العمال، وما حققه للبرازيل من مكانة ولشعبه من مكاسب ولحجم شعبيته، واخفاقات الترامبية وعنصريّتها، وانكشاف التزوير والفضائح للشرائح الليبرالية وممثليها في الدولة البرازيلية، تحول دون تمكن الترامبية من البرازيل ونزعها من منظمة البريكس او استخدامها ساحة لإحكام السيطرة على القارة، وتستعر التناقضات والتعارضات في البرازيل وتتحول عناصر القوة ضد الترامبية، ويزيد في الاختلال بالموازين انشغال ترامب بالانتخابات الرئاسية وصراع اللوبيّات، ويعزز من احتمال استعادة البرازيل لخياراتها السيادية والاجتماعية ازمات امريكا وخسائرها العالمية وانكفائيتها وحروب ترامب ضد الجميع.

  • المكسيك:

سقطت المحاولات الترامبية لإنتاج “ترامب” مكسيكي وكسبت الجولة الحركة الاجتماعية التحررية بتنصيب رئيس “يساري” اجتماعي ميوله الروسية و”البوتينيّة” معلنة بينما لم يأمن ترامب حدود أمريكا البرية من جهة المكسيك وتحولت مسألة تمويل بناء الجدار والمهاجرين إلى أزمة تشغل الكونغرس والشيوخ وتؤثر بالتوازنات الداخلية الامريكية.

  • الارجنتين:

أشارت نتائج الانتخابات الاختبارية، إلى صعود اليسار في الارجنتين “البيرونية” على حساب النخب الليبرالية المتأمركة، ما يفيد بأنّ الترامبية والعولميّة في أزمة، وأمريكا اللاتينية تتجه بقوة وثبات باتجاه التحرر والانفكاك عن البيت الأبيض أيّاً كان ساكنه.

  • الاكوادور:

 تتقدم الحركة الاجتماعية والثائرة على نموذج ترامب الاكوادوري ولو كان اسمه ” لينين” وتنفجر في وجهه عاصفة تمهد لثورة شعبية عارمة، لا بد ان تسقطه وتأخذ معه النموذج الليبرالي والتبعية لأمريكا الى مزابل التاريخ، والحالة الثورية الجارية في الاكوادور ستنعكس في عودة نهوض الحركة الاجتماعية التحررية في عموم أمريكا اللاتنية، ويزيد من هذا الاتجاه اتهام واشنطن لفنزويلا بأنها تقف وراء الهبّة الشعبية، وهذا الاتهام يشكل إقرارا واضحا بهزيمة الترامبية وبصمود البوليفارية وتحولها الى قوة نموذج قادر على رد الصاع لامريكا واطلاق حقبة تصفية عملائها ونموذجها وتدخلاتها العدوانية السافرة، فالجاري في البرازيل، والارجنتين، وصمود كوبا وفنزويلا تؤشر الى ان حقبة تحريرية عارمة تتحفز لاجتياح امريكا اللاتينية، توأم العرب واقليمهم الاسلامي الناهض، ما يزيد من ارتباك امريكا وتراجعها عن قيادة النظام العالمي ويهز نموذجها ويعزز الصراع الداخلي بين لوبياتها.

ج – أمريكا في آسيا تنحسر:

 

  • كوريا الجنوبية واليابان

 ترامب يهدد بالانسحاب من كوريا الجنوبية واليابان إن لم تدفع:

تعطلت الاستراتيجيات الأمريكية لتقرير بيكر هاملتون للحشد والتركيز على آسيا والباسيفيك لمنع أوراسيا من التمكن والصعود، واستدرجت الازمة السورية امريكا للعودة الى الشرق حيث كمين هزيمتها وتقييد قوتها.

وعجزت الادارات الامريكية من تشكيل تحالف آسيوي وازن لمواجهة الصين وروسيا، وأخفقت الجهود للتحالف مع الهند، وتفعيل دور اليابان وتسعير الصراع مع روسيا على الجزر، ونجحت أوراسيا في تقديم ترامب وامريكا قزماً في مواجهة كوريا الشمالية وأدّت عمليات التهويل والتفاوض الى كشف حدود قوة أمريكا في آسيا.

والترامبية الراغبة بالانسحابية العالمية ومن آسيا، آخر قلاع امريكا وحصونها وجدارها في الحرب العالمية الثانية” في كوريا الجنوبية- واليابان” لا تدّخر فرصة إلّا وتحاول ابتزاز اليابان، وكوريا الجنوبية بمقايضة الوجود العسكري الامريكي بتسديد الأكلاف والتحول الى إسناد امريكا واقتصادها المتداعي وعلى حساب الاقتصاديات الآسيوية وشعوبها، بيد ان الدول والشعوب تبدي مقاومةً وتململاً من الاحتلال والابتزاز، ومن تصدير الازمات وافتعال الحروب، وقد نجحت روسيا في تخفيف التعارضات مع اليابان وتسعى لنزعها من بين مخالب امريكا وهذه في صلب مشروعها لأوراسيا، وما تنفكّ الصين من التشبيك الاقتصادي مع اليابان، وكوريا الجنوبية، واستراليا، لتأمينها والمساهمة في مهمة استمالتها، وغالب الاحتمالات ان تنجح أوراسيا في تطمين اليابان وكوريا الجنوبيه، وافشال جهود امريكا في اقامة حلف اسيوي يعمل في خدمتها فلا فيتنام ولا الهند مستعدتان للعب دور الوكيل المحلي للامبراطورية التي تنفجر على نفسها وتعجز عن حماية مصالحها بقواتها المتداعية والمأزوم، وباكستان خرجت من الحاضنة الامريكية وعززت من علاقاتها الاقتصادية مع الصين ومع ايران، ويمثل الاتفاق الاستراتيجي الايراني – الصيني البالغة قيمته 400 مليار دولار تحولا إستراتجيا في موازين القوى واتجاهاتها المستقبلية في آسيا وآسيا الوسطى وفي الحرب الاقتصادية بين الصين وامريكا وفي الحرب العسكرية ان تجرأت واشنطن عليها.

  • الهند:

لم تنجح أمريكا بالاستفراد بها، ونزعها من تفاهماتها التاريخية مع روسيا، وقد شهدت العلاقات الهندية الروسية تطورات نوعية في التبادلات والعقود الاقتصادية وعقود التسليح، كما تلعب روسيا دورا محوريا في الحوار والتفاوض وتخفيف الاحتقانات بين الصين والهند – باكستان كدول قطبية ونامية اقتصاديا وتكنولوجيا، وفي منطق التطورات وكإنعكاسات للسياسات العدوانية الترامبية فمن المنطقي إن الظروف تميل بغالبيتها لصالح إنخراط الهند في منظومة أوراسيا على بقائها في الفلك الامريكي.

  • باكستان وأفغانستان:

خسرت أمريكا حربها في أفغانستان وإتفقت مع طالبان لتسليم السلطة بمقابل فترة إنتقالية،  واعلن ترامب سحب القوات الامريكية من افغانستان وبقاء 8000 مؤقتا بينما إرتمت طالبان في الحضن الصيني الإيراني الروسي، وتحاول أوراسيا وإيران إستخدام الساحة الافغانية لمزيد من إبتزاز وإستنزاف العسكرية الامريكية والاطلسية وإضطرارها للإنسحاب تحت النار- شنت الصحف والوكالات الامريكية حملة منظمة إتهمت روسيا بتمويل طالبان ورشوتها لإستهداف القوات الامريكية وعملائها في افغانستان-

وتحولت باكستان، وإتجاهاتها السياسية، وموقعها الجيوبوليتيكي لصالح التفاهمات مع أوراسيا، وتعززت العلاقات الاقتصادية الصينية الباكستانية على نحو متعاظم، والراجح أن تصبح منصّة إستنزاف للأمريكي وتعظيم قوة الصين الإقتصادية كأحد أهم منصات ومفارق طريق الحرير والحزام، ويمثل تحول باكستان حدثا نوعيا ينهي اخر قواعد ومنصات امريكا ما بعد الحرب العالمية الثانية للإطباق على اسيا وصدّ شيوعية الإتحاد السوفياتي وإستنزافها، والحدّ من قدرات الصين وصعودها وعودة روسيا “البوتينيّة” الى بيئاتها وأمنها الاستراتيجي كما تسقط محاولات حصار إيران في آسيا الوسطى، وتتعمق العلاقات بمديات مختلفة بين باكستان وإيران.

باكستان تواجه اليوم ضغوطات امنية واقتصادية وسياسية من قبل المحور الأمريكي الصهيوني السعودي الهندي وذلك بسبب مواقفها الشجاعة ومنها:

1 -رفضها للتطبيع مع الكيان الصهيوني. ووقفها الى جانب الشعب الفلسطيني والقدس الشريف.

2- تحالفها وتقاربها تجاه الصين والإيران وروسيا وتركيا.

3- تبنيها ووقوفها الى جانب الشعب الكشميري .

4- تعاونها الاقتصادي مع الصين ومشروع الممر التجاري بينهما وتفعيل ميناء جوادر

5-بعد إضعاف و القضاء على اقوى جيوش المنطقة نخشى ان يكون الهدف التالي هو الجيش الباكستاني لأجل تنفيذ خطة تقسيم وتدمير في المنطقة برمتها.

باكستان قوة عسكرية وسياسية إسلامية، ينبغي الاستفادة منها، ليس لقصف اليمن أو غيرها من البلاد العربية أوالإسلامية أوالإقليمية إنما توظيفها لتدعيم إستقلال الأمة العربية والإسلامية والحد من تبعيتها للولايات المتحدة، بل يمكن الإستفادة من باكستان وتوجهها السياسي في تدعيم السلم المحلي والإقليمي، ومحاولتها تجنب الصراعات الطائفية والمذهبية، فباكستان تتشكل من فسيفساء عرقي وإثني، وتنوع مذهبي.

والتحوّل الجاري في مكانة باكستان على صلة بإضعاف النفوذ السعودي الوهابي في آسيا الوسطى، متساند مع عودة مهاتير محمد الى قيادة ماليزيا، وتصفية إرث الوهابية والليبرالية وقطع دابر الفساد، وعودة ماليزيا للحراك الهجومي تحت عناوين مواجهة الصهيونية والامريكية والوهابية، والدعوة الى نهوض العالم الاسلامي والوحدة الاسلامية بين ماليزيا- تركيا- باكستان لتشكيل محور فاعل اقليميا وعالميا- كعناصر دالة وكتحوّلات مهمة في خيارات آسيا وإتجاهاتها المستقبلية وكشواهد على تسارع إنحسار النموذج الامريكي وتداعي أعمدته ومنصّاته المروجة.

 

  • أزمة كشمير:

  تعتبر قضية كشمير من أهم القضايا الإسلامية والانسانية الكبرى في الوقت الحاضر. وعلى مدى سبعين عاماً شهدت كل من الهند والباكستان مظاهرات حول كشمير، كما توترت العلاقات بين البلدين مجدداً بسبب القرار الهندي الأخير، ومن المؤسف أن الكثيرين لا يعرفون شيئاً عن كشمير وقضيتها وهو ما يجب علينا ابرازه للعالم.

يمثّل تصاعد أزمة كشمير الهندية بعد قرار الهند إنهاء حالة الحكم الذاتي من طرف واحد مؤشراً على رغبة أمريكية جدية في إختلاق أزمة تشغل أوراسيا في عقرها “فكشمير أحد أهم الممرات في الحزام والطريق وخطوط النقل في آسيا وبين باكستان والصين” وتسعى الترامبية الى تسعيرها وإفتعال حرب إقليمية مدمرة بين دولتين نوويتين كلاهما يقترب من المشروع الأوراسي وينخرط في منظمة شانغهاي وآسيان، بينما تؤشر المعطيات وإختلال موازين القوى وإنسحابية ترامب الى إمكانية إحتواء الصراع وتعزيز المشروع الأوراسي بتأمين الهند وتسوية الصراع مع باكستان.

 

  • هونغ كونغ – ميانمار – والروهينغا:

في الأزمات الثلاثة المتفجّرة نجد أصابع أمريكا، وإسلامها السياسي والعسكري، وهدفها الصين، وكبح صعود أوراسيا، بمحاولة تفجير الساحات وتوفير شروط وأسباب إنتقال الإرهاب لإشغال القارة بحروب التدمير. غير أنّ الظروف لم تعد تسمح لها بالعبث واللعب مع الكبار.

 

 

د – في العرب وإقليمهم الإسلامي والأفريقي

 

  • تركيا – الأردوغانية في أزمة هيكلية وبنيوية –على حدّ السكين- اردوغان ينحر تركيا ويورطها بأربعة جبهات حروب في آن:

تركيا الاطلسية كانت أحد اهم منصات الغرب وامريكا بعد الحرب العالمية الثانية لإخضاع العرب والمسلمين والتحكم بآسيا ومسارتها، وصدّ الموجة السوفياتية. فأعدت لتتساند مع إيران الشاه، وباكستان، والكيان الصهيوني لتثبيت السيطرة الغربية على الاقليم، وإسناد الاسر الخليجية في مشيخاتها، وتفعيل الاقليات وحماية الاسر الحاكمة ومجابهة المدّ القومي والناصري.

وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي كلفت بمهمة تأمين السيطرة على آسيا الوسطى والجمهوريات الاسلامية، واحتواء التحولات في إيران والعراق وسوريا.

ومع صعود الموجة الدينية وبلوغها ذروتها، جرى تصنيعها كمنصة إسلامية معتدلة، وكمعجزة اقتصادية جاذبة، ووظفت بمهمة إحتواء “الجهادية السنية” وإعادة صياغتها لبناء جيش إسلامي عثماني- صهيوني- أمريكي.

وعندما أزفت ساعتها، إستخدمت في تخريب العرب، وتسعير إحترابهم، وتحولت إلى مهمة تسليح وتدريب وزجّ مئات آلاف المسلحين في سوريا والعراق وليبيا، وتحوّلت الأردوغانية مع الحريق العربي من مهمة إحتواء الإسلام الجهادي، وسوريا وإيران الى السعي لإستعادة العثمانية، وفرضها، وأكثر أردوغان مجاهرته بأنّه وكيل العولمة في إدارة الشرق الاوسط الجديد.

وبسبب أهمية موقعها الجيوستراتيجي والجيوبوليتيكي “اول وصايا بطرس الاكبر، ان من يحكم القسطنطينية يتحكم بالعالم”، تحول بها أردوغان من صفر مشاكل الى صفر علاقات، فلم تنجح جهودها لسبعين سنة للإنضمام الى الإتحاد الاوروبي لإسلاميتها، ولم تتكامل مع مشروعات امريكا في الربيع العربي لطموحاتها ورغباتها في العودة الى ما كانته من إمبراطورية عاتية، وإشتبكت مع روسيا في سوريا حتى أخضعها بوتين بالقوة والحصار وإعتذر أردوغان بالروسيّة وما زال يناور بين الروسي والامريكي، وإشتبكت الأردوغانية مع الادارات الامريكية بما خصّ الدور في سوريا، والعلاقة مع روسيا وإيران، وكادت تنكسر العلاقات مع ترامب بما يخص صواريخ الـ اس 400، وإعتقال القسّ الامريكي، وإنتظمت الأردوغانية في حملة لوبي العولمة لتأزيم الترامبية وفي الإقليم بقضية الخاشقجي، وتركيز الإتهام على الامير محمد بن سلمان لإضعاف ترامب في الإنتخابات النصفية. 

وتمكن أردوغان بقدراته البارعة على المناورة وعقليته البراغماتية من السيطرة على أغلبية البرلمان والمؤسسات، ونجح بفرض النظام السلطاني “الرئاسي” ووضع الصلاحيات بيده، وأعاد هيكلة الدولة والجيش والسلطات بما يحول دون تمكن الجيش مرة ثانية من الإنقلاب،  وفي حروبه في الداخل ومع سوريا والخارج، أعاد استحضار كل أزمات تركيا الاقليمية والدولية، وفي قبرص والتنقيب عن النفط والغاز في الابيض المتوسط، وتبنى الإخوان المسلمين وتحالف مع قطر ضد السعودية والإمارات، وإستعدى مصر، وحاول زرع القواعد في البحر الاحمر عبر البشير والاخوان المسلمين في السودان، ويتبنى  ويساند حكومة السراج الاخوانية في ليبيا، وما زال يناور بما خصّ سوريا وازمة ادلب والأستانا وسوتشي، وإحتلال القوات التركية ومسلحيها لأجزاء من الشمال والشرق السوري ويعمل على “تتريكها”، وهدفه الموصل وحلب التي ما زالت في العقل التركي عثمانية ويجب ان تعود.

ولتأمين سلطته وتفرّده وحزبه، يحاول أسلمة تركيا، وسعر الصراع الديني بإستحضار ممارسات سوابقه من سلاطين فاعلن تحويل آيا صوفيا “كانت أهم وأعظم كاتدرائية أرذوكسية” الى مسجد وتلى آيات قرآنية بصوته  في محاولات يائسه للإحتماء بالدين وإستنفار القواعد الإسلامية الأناضولية لإسناده بعد ان فقد السيطرة على حزبه ونزح منه قادة كبار وأعلنوا أحزابا منافسة وغادر حزبه اكثر من مليون منتسب،  وأستنفر في حملاته الإعلامية الصراع العلوي – السني، وأستفزّ رأسمالية إزمير “المؤوربة” لصالح رأسمالية الأناضول وقاعدتها الإجتماعية الإسلامية التقليدية، وإشتبك مع الكرد في حرب ما زالت نارها مشتعلة في جنوب شرق الاناضول حيث الاكثرية الكردية في 13 محافظة، وعلى حدود العراق وإيران وسوريا.

في محاولات الأردوغانية لعقدين على صعود حزب العدالة والتنمية على حساب الحركة الإسلامية ومؤسسيها، وإشتباكه مع “غولن” ودولته العميقة، وتصفيتها وتصفية المعارضين بذريعة الإنقلابية، وبناتج التذاكي والرقص على الحبال المشدودة، والمناورة بين أوراسيا، والأوربة والأمركة و”الأسلمة”، وعلى وقع التحولات النوعية في الحرب السورية، وتصفية الاخوان المسلمين بعد إنكشافهم اداة امريكية- تركية- اسرائيلية، وبتصفية “الداعشية” التي حمتها وأمنتها تركيا، وصعود النزعة الإنفصالية الكردية في سوريا وفي تركيا، وتمركز حزب العمال الكردي العدو الاول لتركيا في شمال شرق سوريا بحماية الامريكي والاوروبي، وتحوّل ادلب التي رحّلت سوريا إليها  مسلحي الإرهاب الى أزمة مستعصية لأردوغان كشفته على تملّصه من التزاماته إزاء روسيا وإيران، وتبنيه للجماعات المصنفة إرهابية ومع إصرار سوريا على تحرير كل الارض، ووقوف روسيا وايران الى جانبها كحليفين مقاتلين معها، تتعمق ازمة الأردوغانية في مشروعاتها “للعثمنة” وفي إدارة تركيا نفسها، ما يفتحها على خيارات كلها سلبية وبينها:

– إنفجار الفقاعة الإقتصادية وتهاوي الإقتصاد الليبرالي والريعيّ الذي أقامه حزب العدالة لتصوير تركيا معجزة إقتصادية “بديون عالية الكلفة، لتعزيز الإستهلاك، وتصفية القطاع العام وإشاعة الإفساد في الحزب والعائلة”، ويجزم الخبراء أن لا خيار أمام تركيا أو فرص إلا الإنهيار المالي- أو الإنقلاب في الدور والموقع الجيوبوليتيكي- ربما إقتربت لحظة العاصفة الإقتصادية وتهديد ترامب بسحق الإقتصاد التركي مؤشر، وإتجاه الكونغرس لفرض العقوبات القاسية بسبب الحملة العسكرية في شرق الفرات، والموقف الاوروبي الجماعي رفضا للغزوة الاردوغانية للأراضي السورية، وللتدخل السافر في الازمة الليبية وتحشيد عشرات الاف المرتزقة والخبراء والاسلحة التركية في ليبيا لإسناد حكومة الإخوان المسلمين” حكومة السراج” وحجم الرفض العربي ومن دول كانت تناصب سوريا العداء، معطيات تفيض في توقع احتمالات تسريع انفجار تركيا على أزماتها المختلفة.

– انحسار مسرحية وزمن الرقص على الحبال، فأمريكا ضاغطة لتحديد الأردوغانية جهتها وتحالفاتها، ولها معه ثأرية في قضية الخاشقجي والإخوان المسلمين كأداة للوبي العولمة، وروسيا ينفذ صبرها بعد ان نفذ صفقة ال اس400 ملتزما الشروط الامريكية بعدم تشغيلها، وإنقلابه على “البوتينية” في مسألة القرم وتصريحاته العدوانية وتعاقده على تصنيع السلاح مع اوكرانيا.

–  شكلت نتائج إنتخابات اسطنبول البلدية الثانية ضربة قاصمة لشخصه وسمعته ونموذجه وعززت من فرص وإحتمالات تقليص مدته الرئاسية، او ترحيله بإنقلاب عسكري “شعبويّ” أو بإنفجار تركيا بصراعات إثنية وإجتماعية وحزبيه عاتية، وزمنها يقترب بسرعة.

– الورطة الأردوغانية في شرق الفرات، والعملية العسكرية التي بدأها على اثر إعلان ترامب الإنسحاب تقدم دليلا قاطعا على مؤشرات الازمة البنيوية والإنهيارية التي تضرب في تركيا، والعملية بحسب كل العلوم والمناهج السياسية والعسكرية تعتبر ضربة احمق، قرر الإنتحار ونحر تركيا في محاولة عقيمة للهروب من أزماته الداخلية بالتورط بغزو الأراضي السورية وذريعته لن تنطوي على أحد في الداخل التركي وفي البيئتين الاقليمية والدولية، ولم يجد نصيرا سوى إمارة قطر الغازية الإفتراضية، وليس للغزو التركي الا مصير الهزيمة والإنكسار، فجيشه متقادم ومأزوم ومعادٍ لاردوغان وحزبه وقد زج بنصف ضباطه في السجون بفبركة التهم، وحزبه ينهار ويخرج منه الكبار وقد غادره اكثر من مليون منتسب، وجيشه من المرتزقة الذي يربو على ثمانين ألف لن يعوضه عن نقص وعجز الجيش التركي وعدم موالاته لأردوغان ومغامراته الحمقاء، وليس لتركيا من أحقيّة في الغزو وكل ما يستند إليه أردوغان في التبرير لا يعدو كونه أوهاما عتيقة للعثمانية البائدة، وجلّ ما يمكن تحقيقه من غزوته تبديد قدرات مرتزقته وزجهم في المحرقة، وتكسير اوهام كرد سوريا بالإنفصال او بتشكيل إقليم كردي لا اساس ولا اصل ولا قدرة لهم عليه، ولا حقوق تاريخية في زعمهم، فالإستنزاف والتآكل في قوة تركيا وجماعاتها المسلحة وفي كرد أمريكا ومرتزقتها في شرق الفرات يصبّ الماء في طاحونة سورية ومشروعها للتحرير وإستعادة السيادة والوحدة، والمنطقيّ أنّ الشعب السوري بتلاوينه المختلفة في الحسكة وشرق الفرات سينهض ويثور على كرد وعملاء أمريكا بعد أن تركهم ترامب في العراء بلا قوى إسناد او جهات دعم قادرة والنتيجة المنطقية ان المغامرة التركية في سورية ستعيد تشكيل تركيا نفسها، وكردها لن يستسلموا بقدر ما سينهضون والكرد في سورية بعد تعقّلهم سيكونون أكثر عداءً لتركيا وسعيا للثأر، فمن المنطقيّ وبحسب تجارب التاريخ ودروسه فالمغامرة التركيّة وما سيترتب عليها ستعيد فتح قضية لواء اسكندرون وكيليكيا وأنطاكيا السورية، ويضعها على جدول الاعمال في المستقبل القريب، فهزيمة تركيا في شرق الفرات من شأنه الإضافة إلى تأزيم تركيا وتسريع إنفجارها وأن ترتد المغامرة ويفرض الزمن حاجاته وحقائقه ليعود الحق الى نصابه وتعود المناطق التي سلبت من سورية اليها. فسعيه لتصفية القضية الكردية ستنقلب فرصة إستنهاض المسألة الكردية وتركزها في عمق تركيا، وتحول الوجود الكردي في سوريا الى بيئة حاضنة ومنطقة آمنة لإستنزاف العسكرية التركية وفي العمق التركي فالمسالة الكردية تتركز اصلا في تركيا وتهدد وحدتها “اتفاقية جنيف 1923”.

 – يعاني حزب العدالة والتنمية من تشقّقات عمودية ونزوح للقادة المؤسسين والكوادر الفاعلة، وكأن الجميع يفرّ من السفينة الغارقة، ما يؤشر الى مدى الضعف الذي باتت عليه الأردوغانية.

– الازمة الإقتصادية وتراجع سعر العملة الوطنية والتضخم ومؤشرات العجز عن تسديد الديون وإرتفاع كلفتها، وإنتشار حالات الإفلاس في الشركات وفي قطاع البناء وإنهيار قطاع السياحة درة الإقتصاد التركي- الاردوغاني وإضطراب السياسات المالية والنقدية وعزل حاكم المصرف المركزي، تتقاطر كأدلّة قاطعة على أن زمن أردوغان وأيامه العادية تتقلص.

– ستمثّل معركة ادلب وتحريرها الجارية بإسناد روسيا وبمشاركة فاعلة من حلف المقاومة أحد أكثر الأحداث تأثيرا في مستقبل الأردوغانية ومستقبل إستقرار تركيا. والمغامرة التركيّة في شرق الفرات تستعجل معركة إدلب وتجعلها أكثر يسراً وسهولة فإضطرار أردوغان لسحب الفصائل الموالية له لزجّها في العملية يوفر أسبابا وشروطاً وبيئاتٍ أفضل لعمل الجيش العربي السوري وحلفائه.

– وبكونها واحدة من أكثر المنصات إشتباكا بين لوبيات واشنطن “العولمة والأمركة” تتوفر عناصر إضافية لضياع فرصها وإحتمالات إنفجار حزب العدالة والتنمية نفسه وما الإستقالات وتأسيس الجماعات والاحزاب في قاعدة العدالة إلّا مؤشر نوعي على ما ينتظرها.

– وتتعاظم الشواهد على حجم الإرباك والعجز، والتحول من العقلانية الى البهلوانية، والإرتجال، وفقدان البصر والبصيرة، فتجد اردوغان هائجا كمن يحمل السيف ويقف في منتصف الحشود مناديا: انا ما بشوف انا ضراب السيوف. فتنكشف تركيا على أزمة مستعصية، وعلى مغامرات حمقاء لم يفعلها الا قادة شهد لهم التاريخ بدرجة حماقاتهم ومعاركهم الخاسرة، وبما يخالف كل قواعد العلوم العسكرية والسياسية والدبلوماسية يفتح اردوغان على تركيا ومعها اربعة جبهات في آن، في شمال العراق- في سورية- في القوقاز وينحاز لاذربيجان ويتحرش بالروسي مع أرمينيا، ويتورط حتى الأذنين في الأزمة القاتلة لتركيا في ليبيا، فيزج بجيشه وأسلحته ومرتزقته، لحماية آخر مواقع الإخوان المسلمين في وادي النيل وافريقيا، ويعلن انها من ورثة الاجداد وانه سيقاتل للسيطرة على الجفرة، ومثلث النفط ويوقع إتفاقات مع حكومة السراج لإستكشاف وإحتكار النفط والغاز الليبي في السواحل، ضاربا عرض الحائط المعطيات الجيوبوليتيكه والجغرافية، وموازين القوى، والآوابد التاريخية والجغرافية السياسية، فيستفز مصر ويستدعيها للتدخل العسكري المباشر، دفاعا عن جغرافيتها، وأمنها الوطني والقومي، ويتحدى روسيا في أخطر عناصرها للحياة والبقاء قوة وازنة عالمية بل وصاعدة صاروخيا من المنصة السورية في محاولته وضع يده على النفط الليبي والمتوسطي لمنافسة روسيا وخطوطها لنقل الغاز والنفط الى اوروبا، وبتفاهماته العابرة مع ترامب، وترامب لا يعير حلفائه اهتماما الا بالقدر الذي يوظفهم في مخططاته ومشاريعه ورغبته بإشعال الحرائق وهو منسحب وعازم على تصفية القواعد الامريكية في الخارج، يوفر كل الشروط والاسباب والبيئات لإلحاق هزيمة مدوية بالعسكرية التركية وسيكون إنعكاسها مدويا في تركيا نفسها ومستقبلها، فالصراع على ليبيا وإحتمالات الحرب المدمرة لتركيا وبقايا الإخوان المسلمين تتوفر شروطها الموضوعية وكلها في غير صالح تركيا وعنتريات اردوغان الفارغة، وقد أّمّنت مصر كل شروط التدخل وفوّض البرلمان الرئيس السيسي بزجّ القوات المصرية المتفوقة نوعيا على الجيش التركي المترهّل والمنهك، وأعلنت مصر تسليح وتدريب القبائل ورجالها، وإحتضانهم، وإستعرضت قواتها الجوية والبرية وحشدتها على الحدود، كما أقامت مع روسيا قواعد عسكرية في شرق ووسط وجنوب ليبيا وأرسلت روسيا الطائرات ومنظومات الدفاع الجوي المتطورة إستعدادا للمواجهة الكاسرة، فبينما لمصر حدود جغرافية برية ونفوذ شعبي واسع، ولها اكثر من 2 مليون مصري يعملون في ليبيا، وعلاقات تاريخية شعبية وقومية وأمنية وعسكرية، وكذا لروسيا مصالح نوعية، ومنصة تإثير كسورية في أهمّيتها لجهة افريقيا ومحاصرة الناتو والتاثير في جنوب وغرب اوروبا، تعتمد الاردوغانية على عصابات إخوانية مسلحة غير متوافقة وكثيرا ما تحترب، وتزج بجيشها على بعد 2000 كيلومتر من حدودها ما يجعل أساطيلها وقواتها ومرتزقتها طعما سهلا للطيران المصري- الروسي وللبحرية المصرية المتفوقة جدا، وقد إمتلك حاملات الطائرات والغواصات واسلحة الدفاع الجوي النوعية، وتشير كل التقارير الى تفوق كبير للجيش المصري فكيف وهو مسنود نوعيا من القوات الجو فضائية الروسية ذات الفاعلية النوعية كما في تجربة عاصفة السوخوي في سورية، وقد إستفزت عنتريات اردوغان وتدخله السافر والعدواني في المتوسط والكشف عن الغاز والنفط في بحر قبرص، وإعلانه آيا صوفيا مسجدا، اوروبا ولجمت الإسناد الإيطالي لمغامراته وتوافقت الدول الاوروبية على رفض ممارسات اردوغان وانذرته وتستعد لفرض عقوبات اقتصادية وعسكرية قاسية بينما تميل كفتها لمناصرة مصر في اي إشتباك عسكري محتمل مع تركيا…

والأكثر دلالة على صفاقة اردوغان وأوهامه انه فتح في آن اربع جبهات وجيشه مأزوم وعاجز فكيف له ان يخوضها معا، وعلى الجبهات الأربع قوى ومحاور وتكتلات محلية واقليمة ودولية وازنة وصاعدة.- كل الطرق توصل الى هزيمة مدوية للاردغانية في مغامراتها الحمقاء ولها ان تفجر تركيا نفسها الامر الذي يتعامل معه الخبراء والمهتمين انه حاصل وجارية مؤشراته النوعية- وسيكون الأمر سيّان إن وقعت الحرب مع مصر، او جرت بالواسطة وبالوكلاء فوكلاء مصر- روسيا اقدر واكثر عددا وافضل تنظيما واكثر تسليحا وابناء البلد وليسوا من الطارئين والمرتزقة، فحلم اردوغان بإسناد أزمته المالية والاقتصادية بالإستيلاء على نفط ليبيا وثرواتها العظيمة اقرب لأن يكون حلم ليلة صيف.

 

الخلاصة:

كيفما نظر إلى الحالة التركية، وبأيّ منهج تحليلي تم ضبط حالتها، لا يمكن إلّا رؤيتها في أزمة عميقة عنيفة بنيوية، وفي واقع المتغيرات العالمية والإقليمية يمكن ترجيح إحتمال إنها ذاهبة الى الفوضى والإنفكاك وربما الإحتراب الأهلي، يتنازعها أربع محاور: الكردية – التركية، العلمانية – “والأسلمة”، الولاء لأوراسيا أم للغرب وللترامبية- الأوسطية أو الناتوية.

وحدها العناية الإلهية والوعي والعقلانية يمكن أن تنقذ تركيا من خطر الفوضى والإحتراب الداخلي، وقرارها الفصل: أين ستقف بين الخيار الأوراسي الصاعد ام الأطلسي المتداعي والمتراجعة قوته وحضوره.

وكيف ستدير حضورها ودورها في سوريا وأزمتها ومع إيران وروسيا بإزاء التزامات أستانا وسوتشي  وما ستكون عليه نتائج المغامرة القاتلة في ليبيا وشمال العراق وفي القوقاز، وفي لبنان وشماله، ومحاولات إثارة النعرات والفوضى عبر أدوات الأمن التركي التي إستوجبت تدخلا فرنسيا بشخص الرئيس ماكرون لفرض حكومة لبنانية إنتدابية في الذكرى المئوية لولادة لبنان الكبير….

والعنصر الاكثر أهمية كيف ستتصرف مع أدواتها من الجماعات الإسلامية المتوحشة والإرهابية، وتقرير مكانتها في حلف الإخوان المسلمين ولوبي العولمة وإمتداداته، أم في دور تصفيتهم، ويستمر السؤال هل تنقلب الإسلامية المتوحشة والإخوانية ضد أردوغان ام تبقى نصيره وتتحول قوة صلبة لحماية سلطته في تركيا نفسها في وجه معارضي الأردوغانية وهم في تزايد وتضخم القوة.

 3- المشروع الأوراسي، صعوده ومكامن قوته

 يصعد على سلم إنجازات حلف المقاومة

  •   في الواقع ومعطياته:

مما تقدم، وبناتج  الموازنة بين عناصر وبيئات الصعود لأوراسيا، وأزمات وإخفاقات وتوتر أمريكا وحلفها وصراعات بنيتها، وإنحسار عناصر تفوّقها وقوتها كقائدةٍ للغرب ومهيمنةٍ عالميا، وبنتيجة عقدين من التحوّلات العالمية والعلمية والاقتصادية والهزائم على يد حلف المقاومة وفي مسارح الحرب العالمية العظمى وجغرافية زوايا المثلث الذهبي لصناعة تاريخ الإنسانية وتعظيم الإمبراطوريات أو إطلاق عملية إنهيارها وتفكيكها “بغداد – بيروت  – القدس – بيسان” وبنتائج مفاعيل الحرب التي قادتها سوريا بصفتها قلب وقبضة حلف المقاومة باقتدار وكفاءةٍ عالية، وما تحقّق من نتائج ملموسة لجهة إلحاق الهزيمة بالمتأسلمين المتصهينين – وهزيمة أمريكا واستراتيجيات بيكر هاملتون، وتحالفاتها الإقليمية وإخفاقاتها في إدارة وقيادة الحروب المحلية والاهلية والإقليمية من الخلف وبالحروب الناعمة والذكية، وما على اشكالها، وتشكل سورية منصة هزيمة للغرب مجتمعا، ومعه ادواته وتحالفاته العربية والإسلامية والعالمية، وتحولها الى منصة إستعادة روسيا لروحها وتصعيدها للتحول الى عملاق حاكم، ومن معبوثٍ بإستقرارها محاصرة ومستهدفة الى قوة كونية عاتية مقررة بمن يحكم البيت الابيض وكيف وعلى ماذا يستقر الإتحاد الاوروبي وتشكيلاته، وبكون سورية المنصة الوحيدة التي اخرجت الصين من كونفوشيوسيتها وعكس تقاليدها بالخروج العسكري لأول مرة في تاريخها خارج سورها العظيم، ومع ما نشهده من تعاظم قوة حلف المقاومة في لبنان وفلسطين واليمن والعراق، والخليج وقد كسرت الردود الإيرانية المتقنة والعسكرية وبالمباشر على التحرشات العسكرية والامنية الامريكية، وابطلت محاولات ومناورات امريكا وحلفها لتشكيل احلاف إقليمية او عالمية قادرة على تحمل كلف الحروب، وتعزز إيران صمودها في وجه الحصار وتدير حربا نوعية في الدبلوماسية وإفشال الترامبية بما في ذلك استجداء التفاوض، واضطرار اوروبا او بعضها للتمرد على الإملاءات الامريكية، وصلابة موقف أوراسيا في الدفاع عن إيران وعن الشرعيات والإتفاقات الدولية، وحالة الإرتباك الترامبية، وإرتباك وذعر الكيان الصهيوني وإنفراط عقده السياسي ودخوله الازمات البنيوية والتكوينية، وإنهيار التحالف العدواني السعودي الإماراتي في اليمن بهروب الإمارات وسعيها لتطمين إيران وإستجدائها.

هذه التحولات الفرط إستراتيجية، تسمح لنا بقراءة أكثر دقة لتطورات الواقع ولمسارات التصادم بين محوري أمريكا المتراجعة وأوراسيا الصاعدة فنضبطها على النحو الاتي:

  • أوراسيا تراكم عناصر القوة وتتقدّم:

 

المشروع الأوراسي كما أعلنه الرئيس بوتين، ويستمد مخططه ومشروعاته من تنظيرات عقل النخبة الروسية الحاكمة “ألكسندر دوغين بمنتجه الضخم: أسس الجيوبوليتيكا – جيوبوليتيك روسيا” التي تقوم على ان روسيا كانت ويمكنها ان تكون محور التطورات الاوروبية، وقادرة بحكم موقعها وثرواتها وتاريخها ان تتحول الى قوة حاملة لمشروع تفاعل بين القوى الأوراسية الصاعدة، والدول والقوى الاوروبية القادرة، بالإستناد الى تفاهمات عميقة مع الصين والهند، وبتحالف مع إيران بإسلامها الثوري، يمكنها من جبه المد الليبرالي العدواني الامريكي لمحاصرة وتفكيك الناتو، والإسهام في تدمير منصاته وعناصر قوته فيعقلن امريكا او يعيدها الى جزيرتها لتعيش ازماتها وتكف عن إبتلاء العالم بعدوانيّتها وحروبها. والمشروع الأوراسي مصمم لإستعادة الشرعية الدولية، وتطويرها بحيث تكون اقرب الى حماية السلم العالمي وتفاعل الامم وحماية البيئة وتنظيم إدارة شؤون العالم والحياة البشرية بلا حروب وبما يعزز قدرة الإنسان على إخضاع الطبيعة وتطوير منتجاته بتعميم وتعميق العلاقات التفاعلية والتبادلية والإنسانية وبالتفاهمات والمصالح.

فأمنت روسيا نفسها وإستعادت بعض ما نهبه الليبراليون “العولميون من يهودها وصهاينتها”، وإستعادت الدولة مكانتها وعادت تفعّل “ميكانيزمات” دورها في التخطيط والتنمية الإقتصادية والإجتماعية وتحرير القدرات والإمكانات والثروات، وعندما أمّنت نفسها، وعظمت من قوتها العسكرية تدخلت بصورة نارية عاصفة في عاصفة السوخوي في سوريا 30 أيلول 2015، ووجهت ضربات ساحقة لجيش أردوغان العثماني الامريكي المسلح في ريف اللاذقية، وتحولت بذلك الى قوة رائدة في تشكيل تحالف عالمي قائد للحرب  على الإرهاب المتوحش ومن سورية ومع حلف المقاومة تحول العالم الى إعتبار الحرب على الإرهاب المتوحش هي المهمة ذات الاولوية.

وفي العربية القديمة من جناحها الجنوبي اليمن الى جناحها الشمالي وقلبها سورية والرافدين وعلى مدى عقد من الحرب الضروس، توفرت شروط نهوض آسيا وتشكلها قوة صاعدة، عاموديها روسيا الهجومية والصين القاعدة الإقتصادية والمتحولّة إلى قوّة عسكرية نوعية ومرهوبة ومتقدمة كما كشفت إستعراضات السلاح الفرط صوتي والطائرات من الجيل الخامس والسادس في إحتفالات النصر، واللغة التي إستخدمها الرئيس الصيني الواثق من قوة الصين وقدراتها العسكرية، وزيادة حجم الإنفاق على التسليح وتطوير تقانة السلاح تضيف على قوة الصين الاقتصادية وروسيا العسكرية عناصر هامة ترجّح تمكّن أوراسيا وتفوقها الساحق بالسلاح والإقتصاد على الغرب مجتمعا، وأصبح التحالف الروسي الصيني مقررا في مجلس الامن والامم المتحدة فعطل فيتو مزدوج إمكانية تدخل الاطلسي في سورية تحت علم الامم المتحدة وكان القرار بمثابة إطلاق مفاعيل العالم المتعدد القطبية على حساب القطب الاوحد امريكا.

ومذ ذاك التاريخ تحولت “شانغهاي” و”آسيان” الى تحالفات اقتصادية إجتماعية وعسكرية ذات عمق إستراتيجي وإستهدافات مستقبلية، وقررت دورا يساهم في التحولات العالمية وتغيير اركان النظام العالمي ومحاوره العتيقة، وتعمقت وإتسعت تفاهماتها وصار للـ “بريكس” دور في التحولات الإقتصادية وتحولات القوة، واصبحت قمة العشرين ميدانا لإقرار امريكا بعناصر العالم الجديد وعلاماته الفارقة تراجع امريكا والغرب وصعود أوراسيا إقتصاديا وعلميا وعسكريا، وتنشطت الصين وادركت ان إمكانيات التحرر من الإقتصاد الامريكي موفورة عناصرها، فأقر البرلمان الصيني قوانين تجيز للجيش الصيني الخروج والمساهمة في الحرب على الإرهاب وزرع القواعد العسكرية الضرورية، وتأمين المصالح الصينية،  وأطلقت مطلع عام 2017 إستراتيجياتها للطريق والحزام لتطوير حركة التجارة والتبادلات الإقتصادية مع العالم وتأمين طرق بديلة للبحار والممرات التي تسيطر عليها أمريكا ، وبما يوفر بدائل للاقتصاد الصيني عن السوق الأمريكية المأزومة، وأنشأت شانغهاي بنوكها العالمية لدعم الإقتصاديات الناشئة، وللإسهام في بناء البنى التحتية وتأمين التكامل والإنسجام بين الإقتصاديات العالمية.

تعززت العلاقة الروسية الصينية الاقتصادية والصناعات العسكرية والتقنية بمعدلات كبيرة جدا وخلال مدة وجيزة، وتجري المحاولات المنظمة والإستراتيجية لتقليص النفوذ الامريكي في بحر الصين واسيا، والمساهمة في  تطمين كوريا الجنوبية وتأمين مصالحها الإقتصادية، وإستمالة اليابان ومحاولات تسوية الخلافات التاريخية بينها ومع الصين ومع روسيا، وإستثمر التحالف الصيني الروسي بكوريا الشمالية لإخضاع ترامب وعقلنته، ووضع مسالة الوجود العسكري الامريكي  في كوريا واليابان على طاولة البحث، بمقابل الملف النووي الكوري الشمالي، ووقف عراضات القوة الصاروخية، والعمل على حلّ المسألة الكورية.

بذلت روسيا وما زالت الكثير في محاولة لإستمالة ألمانيا وإخراجها من تحت الإحتلال الأمريكي بتطمينها وتأمينها اقتصادياً وسياسياً.

وتبذل روسيا بتأنٍّ وصبر وعمل دؤوب لنزع تركيا من حلف الناتو “تكتيكات ادلب – سوتشي – الأستانا” الهدف المحوري لأوراسيا في تفكيك الناتو، وفي تامين اسيا وصولا الى جنوب وغرب الاتحاد الاوروبي، وتامين الشرق العربي والاسلامي، وفي عين الاستراتيجية الأوراسية إنهاء القاعدة الاطلسية المتقدمة والاكثر عداء لروسيا تاريخيا والشريك المحوري في إسقاط الاتحاد السوفياتي “اسرائيل” وعلى ذات النسق مع تركيا تدير روسيا تكتيكاتها في سوريا وفي العرب وإقليمهم.

فجوهر الفكرة الأوراسية، تقوم على التفاهمات وحل المعضلات مع اليابان، وكسب المانيا والاستناد الى إيران وكسب او تفكيك تركيا، وفرط الاطلسي وإزالة القواعد الامريكية الاطلسية المتقدمة في قلب العالم “سورية ” وهكذا تفهم التكتيكات الروسية بما يخص الكيان الصهيوني وإعتداءاته على سورية والعراق والتطاول على الوجود الإيراني في سورية – لتامين الجغرافية الحاكمة” الجزيرة العالمية” ولفرط الناتو كأداة امريكية ضاربة وضارة.

تفوقت أوراسيا اقتصاديا، وتتفوق عسكريا بالأسلحة الفرط صوتية ومسارح عمليات الحروب الجارية بالواسطة، وتستعرض قوتها بتقانة وتعلن عن جديدها من الاسلحة الإستراتيجية.

وتنجح في تقليم النفوذ الامريكي والحد من مغامراته الحربية، وإفتعال الحروب، وقد شكل الملف النووي الإيراني والإحتكاكات فرصة ذهبية لتقزيم القدرة الامريكية وتعويم القوة الصاعدة الأوراسية وتعزيز منصاتها.

كما نجحت الصين على مدى العقود المنصرمة بإستمالة افريقيا وامنتها وعظمت من بناها التحتية وقدراتها الاقتصادية ولم تتركها لأمريكا واوروبا التي حاولت ولم تعد قادرة على منافسة النفوذ الصيني.

تحاول روسيا ومع الصين بإختراق الجدار الامريكي الاوروبي في شمال افريقيا العربية ووادي النيل، وقد حققت العلاقات الروسية المصرية، والصينية المصرية تحولات كبيرة، وتتحول مصر ووادي النيل الى أوراسيا الصاعدة وغير الإستعمارية فالتبادلات المصرية الإقتصادية مع روسيا والصين تتسع دائرتها وتتنوع سلعها.

وبإزاء دول وإمارات الخليج، تحاول روسيا تنظيم سوق النفط والغاز، وتسعى لإستمالة السعودية بتأمينها وتطمينها إقتصاديا، وتعزيز التبادلات والإستثمارات وبيع السلاح وعلى ذات النسق تبذل الصين في خطة إستراتيجية متفق عليها لإنتزاع الخليج من يد امريكا وبلطجتها الترامبية.

  • في استراليا، وامريكا اللاتينية حققت الصين وروسيا فتوحات وامنت تبادلات تجارية ومصلحية تتعزز على حساب الامريكي – الاوروبي، وفي الإتحاد الاوروبي باتت الصين الاكثر جذبا، واموالها الفائضة وإستثماراتها الاكثر امانا للنخب الطامحة ولترقيد الازمات ومحاولات إحتوائها بتنشيط العلاقات مع الصين وإستدرار إستثماراتها واموالها.

الخلاصة:

الصراع بين أمريكا وغربها، ومشروعاتها العدوانية ومحاولاتها الهجومية شبه الإنتحارية وسعيها المستميت لإعاقة تطور وتقدم أوراسيا، تأخذ اشكالا ومضامين ومسارح وقطاعات تكاد تكون شاملة، والحرب الدائرة بتنوعها تقترب من دخول الحرب المالية والحرب العالمية الإقتصادية التي يحذر من مخاطرها الخبراء ومن إحتمالات ان تتحول الى مدمرة.

بينما أوراسيا، تتقدم في الحرب السيبرانية، والجو فضائية، وبنوعية السلاح الفرط صوتي، ومتمكنة في الحرب الإقتصادية وحرب العملات، ويزداد تماسكها وقدرتها على الإستثمار في ازمات امريكا ومع حلفائها وفي وراثة تخلفها وعجزها عن كسب الحروب، فتكسب المزيد من القوى والجغرافية على حساب تراجع امريكا وتزايد القيود على قدارتها العسكرية والإقتصادية، ومسارعتها للإنكفاء وفتح المزيد من الحروب في بيئتها وحلفائها.

ولان الحرب تتخذ طابع الشاملة، ويلوذ ترامب بإنهاء الاتفاقات الدولية لمراقبة وضبط السلاح الصاروخي، ويحاول إفتعال حرب الفضاء، ويعزز من قدرات وتمويل الجيوش الامريكية في صناعة السلاح وحروب الفضاء، إلا الامر يبدو بات محسوما وقد حققت أوراسيا سبقا لا قدرة لأمريكا وإقتصادها وبينتها التحتية المنهارة من اللحاق به، وفيه تتحقق مقولة غدر التاريخ، فميدان الحرب الذي نجحت فيه امريكا بإستنزاف الإتحاد السوفياتي وإسقاطه ينقلب ضدها وتصبح أوراسيا القادرة على إستنزاف امريكا.

ولأن الحرب تتخذ هذه الشدّة والمسارح والتنوع، يمكن القول بأنها حرب بلا هوادة هي أشبه بحرب الحياة أو الموت، فلن تصعد أوراسيا بنموذجها ومخططها الاستراتيجي لبناء عالم على شاكلتها إلا على حساب الامريكي وقيمه وتقاليده وليبراليته العدوانية الإستئثارية، ولن تنجو أمريكا وتستعيد هيمنتها العدوانية ما لم تسقط أوراسيا، وهذا ما يفسر التهاب الحروب وعدوانية واشنطن بإزاء روسيا والصين، وسعيها وهي إنسحابية الى تفخيخ الساحات وتفجير الحروب ما إستطاعت إليها سبيلا.

هذه المعطيات هي التي تفسر لماذا لم يحصل توافقات او تسويات تاريخية وصفقات كبرى طالما كان يردّدها منظرو الماضوية ورجالاتها في الإعلام.

وهي ذاتها تسقط مقولات ان أمريكا قادرة وتقود وهي من يوزع الأعطيات والأدوار الوظيفية على الصين وروسيا والإتحاد الاوروبي والقوى الصاعدة.

مسارات قاطرة التاريخ الإنساني تميل كفتها لأوراسيا بصورة واضحة وتقطع بان عالم أوراسيا هو الأكثر قدرة على السيادة.

4-الوطن العربيّ والعالم الإسلامي – المقاومة تنتصر:

 

بحسب مناظير الرؤية لمناهج التحليل العتيقة يمكن القول إن العرب في أحطّ حقبة تاريخية، وشأنهم مخجل، فهم متخلفون، منهوبون، مقسمون، محتربون، يبددون ثرواتهم وفتوتهم في خدمة المشروعات الأمريكية الصهيونية، وتضربهم شتى الأزمات والتخلف ويزيد لهاث بعضهم للتطبيع والتحالف مع الكيان الصهيوني في محاولات لتصفية القضية الفلسطينية وبعثرة ثرواتهم المادية والإنسانية وجغرافيتهم الحاكمة ويفرّطون بحاضرهم وبمستقبلهم. 

بيد أنّ هذه المعطيات الواقعيّة والموصوفة في حال العرب، يمكن تثبيتها وتأكيدها لعرب الإستسلام وخياراتهم ونظمهم المستعربة، والحقّ أنّ الأمّة العربية والأمة الاسلامية شأنها كشأن الأمم دائم الإنقسام الى فئتين: شرائح الإستسلام والخيانة والتفريط ودوماً هي أقلية مغتصبة للسلطة ومتسلطة، وفي الضفة الاخرى الكتلة الأساسية من الأمم والشعوب بصفتها بيئات منشئة للمقاومة والتمرّد، وما الحال المزرية إلّا من صنع شرائح الإستسلام والخيانة، وصفة واقعها وما أرسته.

وأن يصاب العرب وهم في أحطّ مراحل التاريخ وأشدّها وطأةً بالفوضى وتضربهم الحروب فتلك من حقائق الأزمنة وقد وصفها ابن خلدون: “عندما يشتد الفساد، وتزداد الجباية، تنتهي الولاية، والفوضى هي الحقبة الضرورية السابقة للنهوض.. والحروب الأهلية والتدمير ممرٌّ شرطيّ لتقدم الأمم”، فليس من أمّة نهضت قبل أن تنجز حقبة مقاومتها وتصفية المستعمر وأدواته المحلية لتبني على الدمار، فهذا شأن روسيا قديما وحديثا، وهذا تاريخ الصين، ومثلها كان شأن أوروبا في حروبها الدينية لمائة وثلاثين سنة انتهت بمعاهدة “وستفاليا” التي كرّست المسألة القومية وفصل الدين عن الدولة، وهذه ذاتها تجربة أمريكا في حربها الأستقلالية وفي حربها الأهلية المدمرة.

فأن يتقدم حلف المقاومة ويقارب إنجاز حقبته للمقاومة وفي ذات الوقت تنفجر النظم والجغرافيا المصطنعة “سايكس – بيكو” بقياسات مصالح الغرب الإمبريالي وأن يعبر المتأسلمون المتصهينون عن عسفهم وتوحشهم، وتتكشف خيانتهم وولاؤهم للغرب، وأن تضرب العرب وجغرافيتهم هذه الحروب وحالة الإفقار والتهجير، والتدمير، يعني أيضا إنهم يتحفزون ويتمخضون لولادة جديدٍ طال حمله وعبّر عن نفسه بسلسلة نوعية ومتراكمة من الإنتصارات وقد أبلت الامة وخيارها للمقاومة بلاء ممتازا و أقعدت امريكا وهي متفردة ومهيمنة عن إتمام هيمنتها العالمية وبناء قرنها، وتلك أيضا شهادة لحلف المقاومة وإقرار بأنّ عجلة زمن العرب تسير الى الأمام ويتشكلون مع حلفهم الإسلامي المقاوم وعلى رأسه إيران الثورة الإسلامية بإعتبارهم المحور الثالث الدافع بعزم لقاطرة تاريخ مستقبل الإنسانية.

كيفما قرأت التحولات، ومآلاتها، وعناصرها الصانعة، وبأيّ من المناهج تبقى الواقعات والظواهر المعاشة والأحداث الجارية أقوى دلالة وأكثر جدّية وحسما بتقرير الكائن وما سيكون ونقرأ فيها:

  • فلسطين

 

 بين صفقات التصفية وفرص التحرير الناجز:

الحقّ يقال إن الشعب الفلسطيني أسطوري بمقاومته التي لم تهدأ على مدى قرن وعقدين تبدلت عناصرها وادواتها وفئاتها وقواها القائدة، وسمت القرن والعقدين وجعلت من قضية فلسطين دائمة الحضور كمحرك محوري في التحولات والحروب مع العرب والاقليم، وتعود فلسطين أهم المحركات وأكثرها فاعلية وتأثيرا وتأسيسا في صياغة مستقبل العرب والعالم.

لم يستكن الفلسطينيون لخيار التصالح والتسويات والتفريط، بعد ان قامت قواهم السياسية والعسكرية المحورية في القرن المنصرم بالإتفاق مع الكيان الصهيوني” إتفاق اوسلو المقبور” وبرغم ان الإتفاق ينتقص من القضية، ويحول السلطة الى مجرد إستطالة إسرائيلية وجهاز أمني وإدارة سجن كبير في الضفة وغزة ويفرط بفلسطين وبحق العودة لتأبيد الكيان كقوة مهيمنة ومسيطرة في العرب والاقليم وكأداة امريكية عدوانية لتطويع القوى العالمية.

ولّد الشعب الفلسطيني مقاومته وغيّر من قواها القائدة وبيئاتها، وأنتجت المقاومة المستدامة والمتساندة مع المقاومة الإسلامية في لبنان، وبحاضنة سورية وإيران إخلالا بميزان القوة وإستثمرت المقاومة وحلفها بهزائم إسرائيل وإنكسار عناصر قوتها الإستراتيجية وإفتقادها لعناصر القوة التكتيكية، وإنتزعت تحرير غزة، وصعود خيار المقاومة وهيمنته في مجلس النواب الفلسطيني في إنتخابات حرة وبرقابة دولية.

تآمرت “إسرائيل” وحلفها العربي والإسلامي والفلسطيني وعزلت غزة وحاصرتها في اشد حصار ظالم في تاريخ البشرية وبشراكة مصرية وخليجية وبتآمر مباشر.

صمدت غزة وقاتلت وإشتقت من العدم وسائط كفاح وواصلت المقاومة ولسنة ونصف تستمر مظاهرات العودة الكبرى شاهدا على قوة الشعب وقدرته على الصمود والمقاومة، وصنعت غزة من اللا شيء سلاح طيران ورقي وبالونات حارقة ألزمت “إسرائيل” بالضغط على أمريكا لإلزام قطر دفع الاموال ومصر لفتح المعبر، وتأمين غزة بأبسط حاجاتها وبهذا حققت غزة انتصارا مرموقا يبني ويراكم على إنتصاراتها ويتساند مع سيادة حلف المقاومة.

فأدخلت غزة الكيان الصهيوني في أزمته السياسية وفجرتها، ولم ينجح بعد في ترميمها وانتاج حكومة قادرة على قيادته في الزمن القاتل الجاري.

وبات الكيان الصهيوني يعيش حالة رهاب مما ستكون عليه الأيام القادمات، فغزة صلبة وعادت حماس الى حاضنتها المقاومة إيران، والمقاومة الإسلامية في لبنان على لسان السيد حسن نصرالله أعلنت انها باتت تصنع الصواريخ الدقيقة التوجيه والإصابة والقادرة على الوصول الى كل ذرة في فلسطين، وكذا أعلنت فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة، وتشتعل الضفة والقدس والجليل بإنتفاضة مقاومة السكاكين والدهس والسلاح المصنع محليا ولم تفلح “إسرائيل” وسلطة ابو مازن في كسر إرادة الشعب الفلسطيني “زعم نتنياهو إن الشاباك منع وقوع 600 عملية فدائية بالتنسيق مع أجهزة أبو مازن”.

وينتاب الكيان وقيادته حالة سعار مما سيكون عليه حلف المقاومة بعد الحرب السورية، وخروج الجيش السوري بإنتصار ساحق نوعي وقد تأهل الجيش ووحداته وأعيد تشكيله وتسلحيه على نمط جديد من الحروب إتقنها بينما تخسر فيها “إسرائيل” وأمريكا، ويزداد الرهاب مما حققته المقاومة الإسلامية اللبنانية من خبرات وتجارب وما إمتلكته من رجال ومن سلاح.

وحالة الرهاب الإسرائيلية مستندة الى إحتمالات إنفجار الضفة وفلسطين 1948 بإنتفاضة قد تقع في اية لحظة، ومن تقاطع نيران وصواريخ واسلحة وجيوش المقاومة من الجنوب والشمال والشرق”وعملية أرامكو شاهد وحقيقة ترهب الاسرائيليين وتزيد في معنويات وإرادة المقاومة في غزة والإنتفاضة في فلسطين والضفة” ومن إتساع مسرح العمليات العسكرية من باب المندب الى طهران مرورا ببيروت وبغداد ودمشق، وعين الكيان على إن سلاح الجو المسيّر والصواريخ في اليمن ولبنان وغزة وصناعة الأنفاق لا بد ان يكون قد تحقق كمثله وربما يتقدمه في الضفة والـ 48 وفي كل حال فإمتلاكه بات أمرا يسيرا ومسرح الحرب ستكون بالجبهة الداخلية الإسرائيلية والمقاومة ستخوض الحرب هجوميا في والجليل و القدس.

وما يعمق أزمة الكيان تراجع قدرات حلفائه الدوليين فالإتحاد الاوروبي منشغل وعاجز، وأمريكا المحتربة في داخلها والعاجزة في الخليج وفي سورية لم تعد قوة إسناد مرهوبة وقد إنكشفت قدراتها ولم تعد تخيف أحد، وإنسحاب ترامب من شرق الفرات يعتبر تطوّراً بالغ الأهمية في تقليص قدرات “إسرائيل” ورهاناتها على أمريكا وعلى أدواتها في العرب والمسلمين.

والهدايا التي قدمت لنتنياهو في الإنتخابات لم تعطه فرصة ان ينقذ نفسه كرئيس أوحد للحكومة، والزمن والتحولات في فلسطين وفي الكتل الصهيونية تعد بالمزيد من الهزائم والإنحسار لخياراته برغم ما قدمه ترامب من وعود.

ويتهدد الكيان الصهيوني أزمة مالية واقتصادية، وأزمة سياسية تضرب بنيته وكيانه بعمق، وتزداد الازمات التكوينية لجهة إنفجار العنصرية مع الفلسطينيين وبين تشكيلات الكيان نفسه، وجاءت أزمة اليهود “الفالاشا” بمثابة نذير كشفت الكثير مما يخبئه الكيان من إحتمالات إنفجار أزماته، وتتصاعد الأزمة بين العلمانيين والمتدينين، وبين الفقراء والاغنياء وصولا الى الصراعات الإثنية.

يمكن إختصار الحالة: بالقول إن “إسرائيل” ومنذ هزيمتها عام 2000 في لبنان ثم في حرب تموز وفي حروب غزة، تحولت الى شجرة يابسة في حقل تستمر ويشتد يباسها، فهي باقية لأنّ أحدا لم يقرر إقتلاعها، ولم تهب العاصفة لتجتثها، بينما ينخرها السوس والخواء، وتقترب فرصة العوامل الثلاث لإقتلاعها: همة الفلاح، وما فعله السوس في جذعها، والعاصفة التي تجتمع عناصرها في التبدلات الجوهرية في التحولات الجارية في كل الميادين.

وما يؤكّد قولنا دخول “إسرائيل” في أزمة كيانٍ وأزمة نظامٍ سياسيٍّ وأزمة هويةٍ وعجزها بعد ثالث انتخاباتٍ مبكرةٍ عن إنتاج حكومةٍ قويةٍ وقادرةٍ بل حكومة هشّة ومنقسمة برأسين و لن يزيد من قوتها  إعلان ترامب  ما سمي  بإتفاق ابراهام مع الإمارات ومن سيتبعها من المستعربين مع العلم بأن ذلك التطبيع كان موجود مع هذه الرجعية العربية منذ سنوات  وهذا الإعلان هو بكل وضوح خدمة لترامب في الإنتخابات القادمة  امام اللوبي اليهودي في أمريكا ولنتانياهو أمام مشاكل الفساد التي تطاله في المحاكم .  

لذا أمام هذا الواقع على كل القوى  الشريفة في الأمة والرافضة للتطبيع ان تشبك كل قواها بالكلمة والفعاليات وبكل الوسائل لفضح كل هؤلاء المطبيعين وإفشال هذه الخيانة العظمة.

هذا الواقع المعاش يجعل من كلام السيد حسن نصر الله ووعده بأن يصلي في القدس كأمر راهن، ويعرض خريطة عمليات المقاومة على الشاشة مباشرة ما دفع بقيادة الكيان المرتعدة الى الشروع في تحصين مبنى الكنيست والحكومة وشركة الكهرباء في مؤشر بالغ الاهمية عما يعيشه الكيان من حالة إنكسار ودفاعية ومحاولة الإحتماء بالجدر والتحصينات الإسمنتية، وقد كان قالها بفمه رئيس الحكومة الاسرائيلية الأسبق “أولمرت” قائدها في هزيمة حرب تموز “إسرائيل باتت تعدّ أيامها العادية”.

قالها السيد حسن نصر الله بعد نصر 2000 “اسرائيل أوهن من بيت العنكبوت”، وتم التأكد من ذلك في الحروب على مدى العقدين، ويكرر القول: قد تقع الحرب وإن وقعت سنحولها من تحدٍّ إلى فرصة لتحرير “القدس وفلسطين”.

وبعد ففي ظل هكذا ميزان قوى وفي تحولاته وإنتصارات حلف المقاومة المتراكمة فمن المنطقي فهم أنّ مشروعات تصفية القضية الفلسطينية تحت مسمى صفقة القرن وورشة البحرين والتطبيع وجهود تصفية اللجوء الفلسطيني ليست سوى محاولات إعلامية توهينيه وتوهيميه عبثية لا أفق لها في ميزان القوى الجاري والمختل.

واليوم، بعد خطوة الإمارات التطبيعية مع العدو الإسرائيلي والصمت الخليجي والعربي الرسمي، انعقد مؤتمر الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية في بيروت، نتج عنه التفاهم على العمل الموحد وانهاء الانقسام من خلال منظمة التحرير الفلسطينية وبناء استراتيجية لمواجهة العدو من خلال المقاومة الشعبية الشاملة وإطلاق انتفاضة شاملة في كل الأراضي المحتلة من خلال قيادة موحدة من كل الفصائل وذلك بكل الوسائل التي تشرعها الامم المتحدة ومنها المسلحة.

وعلى الرغم من أن هذا المؤتمر لا يرتقي الى مستوى تطلعاتنا وإلى أهداف الشعب الفلسطيني في التحرير الكامل، إلا أن من الضرورة بمكان تثمين انعقاده، وعلى هذا المستوى بعد هذا الوقت الطويل، خاصة بعد ان تكرست سياسة الانقسام في الساحة وحلّت سياسة التراشق بالخطابات والتصريحات الإعلامية مكان الحوار واصبحت هذه السمة السائدة في الوضع الفلسطيني. حيث أن مجرد انعقاد هذا الاجتماع يعتبر خطوة إيجابية على طريق كسر الجليد والخروج من المأزق.

 وفي هذا السياق، من الجيد ان يتفق المجتمعون على تشكيل لجنة لإنهاء الانقسام، وأخرى لتفعيل المقاومة الشعبية، وان يتم العمل على تشكيل قيادة موحدة.

خلاصة:

زمن أن تحكم أمريكا وتقرر وتفرض قراراتها قد ولّى وإلى غير رجعه، وخيار النظم المستعربة بالإستسلام قد إنتهت مفاعليه بإنتهاء قدراتها وتأزّم نظمها، وزمن أن يسود حلف المقاومة وخياراته قد دنت ساعته وحلّ عصره، فمنذ خطاب بنت جبيل 2000 ويجري الزمن على ساعة حلف المقاومة وتوقيتاته وعناصر القوة الحاسمة تتراكم بين يديه وفي ساحاته وتمتد.  

وفي ذات السياق ودلالاته النوعية، ما يعيشه الكيان الصهيوني من حالة رهاب وتأزّم جرّاء ما سيكون من رد للمقاومة الإسلامية على إستشهاد أحد مجاهديها في مطار دمشق جرّاء العدوان الصاروخي الإسرائيلي الغاشم، وإنفجار الأزمة الإقتصادية الإجتماعية وإجتياح الساحات والشوارع في تل أبيب من التظاهرات العارمة، وفقدان إسرائيل مناعتها الأمنية والإقتصادية وعجزها عن مواجهة جائحة كورونا التي فتكت بالجيش أيضا، وسقوط محاولات نتنياهو الإستقواء الداخلي بإعلان الضمّ للضفة والغور، وتأجيل الأمر، وإنهيار مشروع تصفية القضية الفلسطينية بما عرف بصفقة القرن وبرغم التطبيع مع الأسر الخليجية وبعض الإدارات العربية والاسلامية، تزداد حالة الإرتباك والتأزّم وإضطراب حكومة نتنياهو، والحديث المتصاعد عن إحتمال الدعوة لإنتخابات مبكرة من شأنها أن تزيد من تشقّقات وأزمات الكيان وكتله تضاف على عجزه العسكري والأمني في سورية ولبنان وغزّة.

  • لبنان:

 

تدل المعطيات كلها أنّه دخل أزمة عميقة بنيوية تتجلى بأزمة كيان فقد دوره الوظيفي وحماته، وأزمة نظام أفلس ولم يعد له قدرة الحياة وأزمة حكم جارية، وتتهدّده إحتمالات الإنفجار الإجتماعي الإقتصادي والإنهيار المالي. “أصبحت شائعة ولا تحتاج الى كثير من الشرح والتفصيل”.

في المجتمع وفي بنية النظام وتحاصصه الطائفي والمذهبي والحزبي أزمة عميقة وإختلال لصالح خيار المقاومة القادر على الحسم والتغيير إن أراد لكنه عارف بقدرته ولا يريد بحكمته.

فمنذ انتصار الـ 2000 إختلت التوازنات في لبنان وبين مكوّناته وتحالفاته، وأرادت المقاومة إدارة الأزمة بالحفاظ على وحدته إاستقراره وخوض المعارك التفصيلية لحماية خيارها، وعدم الحسم، والتركيز على بناء القوة الردعية للعدو الصهيوني ومواجهة محاولات التآمر على المقاومة ومجتمعها لحمايته. فالمقاومة فعل نوعي تاريخي يستهدف التحولات التاريخية الكبرى في الصراع العربي الصهيوني وفي الحروب مع الغرب والنصر بالكبيرة يجبّ الصغيرة ويحقق المبتغى.

ونجح لبنان المقاومة في خلق الردع للكيان الصهيوني ولجم المحاولات الامريكية المباشرة وعبر حلفائها في البنية اللبنانية، ويتقدم وزن المقاومة وقدراتها، ولأنّها مطمئنة لتوازنات القوى المحلية، ذهبت المقاومة أبعد من حدود لبنان كشريك محوري في سورية والعراق واليمن، وإستعدّت كقوة رادعة لإحتمالات العدوان على إيران وعلى أيّ من قوى المقاومة وساحاتها.

يدير حلف المقاومة الصراع في لبنان وعليه على أنّها مسائل تفصيلية في ساحة تفصيلية تحت السيطرة، ولا يسعى أو يرغب في دفعه للإنهيار وإحتمالات أن تصبح بعض مناطقه ملاذا للجماعات الإرهابية المهزومة في سورية والعراق واليمن فيفاوض ويناور ويقدم التنازلات الجزئية ورغبته بأن يحفظ لبنان حتى تنجلي المتغيرات الإستراتيجية في العرب وفي البيئة الإقليمية والعالمية ليبنى على الشيء مقتضاه.

لكن الأمور تبقى في مسارات خطرة، فقد دهمت  الأزمة المالية وإنفجرت على نحو غير مسبوق في التاريخ الإنساني ونجحت الطبقة السياسية ونظام المحاصة بان نهب وأفلس البلاد والعباد، وتتراكم مؤشرات إنهيار النظام العام والفلتان وسيادة الفوضى والتوحش والمجاعة، ويزيد فيها الحصار الأمريكي وفرض قانون قيصر، وقبول الحكومة التعامل معه ورفض التوجه شرقا والتبادلات البضاعية مع إيران بالعملة اللبنانية، ويزيد في إحتمالات الإنهيار والفوضى المحاولات التركية المحمومة لتسليح وتدريب وزج المجموعات الإرهابية في لبنان وخاصة شماله، في ظل عجز الدولة عن إحتواء الأزمة وتسارع التشققات المجتمعية ومحاولات التطييف والتحزيب لما سمية “ثورة 17 تشرين”، التي كشفت النظام والدولة والحكم وعمقت من الأزمة على نحو ينذر بالهلاك او التغير الجذري في النظام والمؤسسة وفي الدستور ووظيفة الكيان التي تتهدده بالإنفراط وتزداد المحاولات والمساعي الامريكية الإسرائيلية  لتفجيره في محاولة لإستنزاف المقاومة، ونشهد محاولاتٍ محمومة كالإجراءات المالية التي يقبلها وينفذها القطاع المصرفي في التضييق على المقاومة وحلفائها، والإسيتلاء اللصوصي على اموال المودعين وتبديدها، وترك الحبل للدولار على غاربه الذي ادى إرتفاعه الجنوني الى إرتفاعات فلكية للاسعار وإنهيار المدخرات والتعويضات والرواتب وإفلاس القطاعات وإلقاء بمئات الاف العاملين في لجة الفقر والبطالة وتقترب ازمة عاصفة في التعليم والإستشفاء والتأمين والضمان الاجتماعي، والخدمات العامة وإنقطاع الكهرباء والإتصالات، وفقدان الضروريات من الادوية والاغذية والإتصالات، وقد سبق الانهيار الجاري محاولات تفخيخ بعض الساحات كما جرى في “قبر شمون”، وحالات التوتير المستهدفة للتهويل بالحرب في وجه المقاومة وحلفها، كما في محاولات تفجير المخيمات الفلسطينية أو إنخراط بعض السلطة في مؤامرة التصفية وإنهاء اللجوء، بيد أنّ ميزان القوى الكلّي يبقى مختلا لصالح المقاومة التي تدير الازمة بحكمة وحنكة وبتكتيكات تسعى لتأجيل إحتمالات الإنفجار إلى حين، والرهان أن تنجح. غير أنّ الإجراءات التي إعتمدها المصرف المركزي في تقنين الدولار، وتوليد الأزمات  أوصل الى الإنهيار وإذا وقع حادثٌ وإنفلت الأمر فليس من خطرٍ على تحوّل ميزان القوى في غير صالح حلف المقاومة.

فالازمة العامة التي يعيشها لبنان في مئويته الثانية، وحالة الترهّل والفساد والمحسوبية التي يعيشها النظام، أدّت الى إنفجار مهول دمر قلب بيروت

4-8-2020 ودرتها، وأطاح بمنظومة لبنان الإقتصادية- السياسية التي أنشأت على مقولات ميشال شيحا وتوصيفه الإقتصاد اللبناني بإقتصاد السوق الحر التجاري، غير المنتج بالإعتماد على قاعدتين: المصرف والمرفأ، اما المصرف قد اطلق النار على نفسه ونهب الناس وأفلس البلاد بالتعاون مع حاكم المصرف المركزي والطبقة السياسية الفاسدة ونظامها المحاصص الطائفي والمذهبي، وجاء إنفجار المرفأ ليدمر القاعدة الثانية، ويفتح البلاد على أعمق أزمة في تاريخه، ويضع المئوية الثانية للبنان على مفصل تاريخي.

فقدمت زيارات الرئيس الفرنسي ماكرون وطريقة تعامله مع الطبقة السياسية الذليلة، لتعيد التذكير بالجنرال غورو وبالإحتلال الفرنسي اللعين، وتعكس رغبة فرنسية – امريكية إسرائيلية بإعادة الإنتداب عبر تلزيم الطبقة السياسية برئيس حكومة محسوب على الإستخبارات الفرنسية وبطلب من ماكرون الى الزام الطبقة السياسية بإنتاج الحكومة والإلتزام بالورقة الفرنسية” صاغرة” بمثابة بيان وزاري لم يسبق للبنان او اي دولة تتمع بأقل قدر من الإستقلال والسيادة أن قبلت هكذا إملاء مذل، والأنكى إنه خاطب اللبنانيين والطبقة السياسية سرّا وعلنا، وأعطاها مهل زمنية، وإلّا فيسوق رجالاتها الى السجون والحجز على الأموال التي نهبوها وأفقروا شعبهم ووطنهم، وبأنه مع الأمريكي سيضعهم على لوائح العقوبات، والأكثر خطورة أن الطبقة السياسية بكلّ تلاوينها وأطيافها وأسمائها قبلت المقايضة بين كشفها ومصادرة مسروقاتها او التسليم لحكومة إنتدابية ماكرونية وكلهم يعرفون أن ماكرون أصلا هو ليس إلّا موظف صغير في ماكينة روتشيلد المالية، وقد إنتدبته لتخريب فرنسا وقيمها وقواعدها الناظمة ودولتها الإجتماعية فما لقيه ماكرون في لبنان لم يلاقيه في أي من الشوارع والمدن والنخب الفرنسية نفسها وقد شاعت تندرات فرنسية على وسائط التواصل تقول: إن كان اللبنانيون يحبون ماكرون المكروه فرنسيا فعليه أن يترشح لرئاسة لبنان لا لرئاسة فرنسا.

هكذا أدّت الأزمة الوجودية للبنان والأزمة التكوينية للنظام والكيان والحكم الى وضع لبنان في موقع لا يحسد عليه، فإن هو إستجاب لإملاءات ماكرون الأمريكية الإسرائيلية سلم سيادته وعادة الى الإنتداب، وإن رفض فالإنهيار المالي والإقتصادي والإجتماعي والفوضى ولم ينسى ماكرون أن هدد الطبقة السياسية وأنذر أن لبنان قد يزول.

 

الخلاصة:

 

لبنان في مئويته الثانية يبدأ أيامها الأولى في حالة موت سريري وقد طالت حقبة المخاض لولادة البديل، والولادة على يد ماكرون ستكون كارثية وستؤدي حكما الى فقدان السيادة وفرص الخروج من الأزمة، فموظف روتشيلد يلزم الطبقة السياسية بوضع  المصرف والمصارف والمرفأ والنفط والغاز وشركة الكهرباء، والدولة تحت السيطرة المباشرة للشركات الفرنسية ولصندوق النقد  الدولي وأدوات الهيمنة الامريكية الاسرائيلية، ويتهدد ويتوعد المقاومة بأن الآتي أعظم، وبأنه واقعي ويعترف بحجم حزب الله وبشعبيته لكنه يؤسس لحقبة تصفيته وتصفية المقاومة، ويصير السؤال المحق ماذا يعني إنتصاران إلاهيان، وتحريران، وإمتلاك قوة الردع والتوازن مع الكيان الصهيوني، إن أخرجت “إسرائيل” من الباب الجنوبي وعادت من كل الأبواب عبر شروط وإملاءات ماكرون- ترامب نتنياهو.

لبنان على مفرق الخطر الأقصى فالقديم مات ولن تعاد له الحياة وهو بين خيارين التوجه شرقا وحسم الصراع على الهوية والوظيفة والتغيير الجدّي في النظام ليكون عصريّا إنسانيا متساوقا مع قيم الحياة والعصر وحقوق الإنسان بإسقاط التمييز الطائفي والمذهبي والعبور الى دولة المواطنة، او التفكك والإنهيار الأمني والحياتي وهيمنة قوى إرهابية على مناطق واسعة مسنودة ومدعومة من الإخوان المسلمين ومن تركيا أردوغان التي قرّرت أن تكون أكثر أدوات تخريب العرب والمسلمين بتكليف من سيّدها الأمريكي وسيّده الصهيوني متوهّمة العودة الى العثمانية والوطن الازرق…

والى ان تخرج سوريا من أزمتها وتقرر ما تريد في بيئتها وإقليمها وتنجز إيران هزيمة أمريكا وحلفها لإعادة صياغة عناصر القوة الإقليمية والعالم الإسلامي من المنطقي أن تستمر الحالة اللبنانية على ما هي وأن يحاول الجميع إبقاءه في “العناية الفائقة – تحت التنفس الاصطناعي ”  دون تجاهل احتمالات الحرب مع الكيان الصهيوني فقد تجاوز الحدود وقواعد اللعبة باعتداءاته المتكررة على سورية وسقوط شهيد للمقاومة التي انذر قائدها وكرر انذاره ان قتلتم منها فسنرد ونقتل منكم ولن يحول دون ردا زمان او مكان والحرب مفتوحة وسجال.

  • سوريا

على عتبة إنجاز نصرها التاريخيّ المغيّر في أحوال العرب والإقليم والعالم:

مما تقدّم، وبحسب كلّ الإعترافات والكتابات ومداخلات الإستراتيجيين من الخبراء ودور الدراسات المستقبلية، باتت سوريا على عتبة الخروج من أزمتها التي تحوّلت إلى حرب عالمية عظمى فأنتجت وظهّرت التحولات العالمية النوعية وأسّست في تغيير العالم وتوازناته، وأطلقت فرص أوراسيا للصعود كما إستنفذت وهزمت كلّ وآخر ما للغرب الإمبريالي العدواني من عناصر وقوة وتحالفات وإستراتيجيات وتكتيكات.

والإنتصار السوري في زمانه وجغرافيّته وقواه الصانعة، يعيد سوريا كولّادة وقوة قادرة وحاملة لمشروعات تحضير العرب وعوالمهم، والمنتصر بحسب اعراف التاريخ هو من يكتب التاريخ ويقود المستقبل، وسوريا خلقت لهذه المهمة كأرض الحضارات والاديان السماوية ومنتج الحرف والحرفة والمدنية، فمن صمد وقاتل وطوّر وإستطاع مع حلفه وغيّر في احوال الإقليم والعالم له ان يقود وان يتحول الى طليعة تجديد المشروع القومي العربي وعصرنته، متفاعلاً مع قوى وأمم الإقليم ومستنداً الى التحالف الإستراتيجي مع إيران وتحول روسيا الى قوة قائدة من منصتها السورية، وعلى ارضها وبجيشها وشعبها تحول العالم لأولوية الحرب على الإرهاب المتوحش، كما في كشف وإستنفاذ مشاريع الفتن المذهبية وإلحاق الهزيمة بها ومحاصرة بقايا الاخوانية في تركيا وتعريتها وإسقاط الوهابية وإندثارها.

وقدرة سورية الإبداعية في خوض الجيل الرابع للحروب والظفر بها وإلحاق الهزيمة بالقاعدة و”داعش” وأخواتها بتنوّع فصائلها، يسجل لها على عكس ما جرى مع الإتحاد السوفياتي في أفغانستان وأمريكا في العراق وأفغانستان يعطي سوريا القدرة على قيادة العرب الى العالم الجديد بتحرير الدين من المتأسلمين والتكفيريين وصياغة قواعد الإيمان وعلاقة الإنسان بالخالق والدولة على طريقتها الخلاقة وبما يتساوق مع قيم العصر وحقائقه.

وفي زمنها وقد تحولت الى بوتقة حوار وتفاعل خلاق ومقاوم بين امم الاقليم وسعت الى جغرافية البحور الخمسة، وظفرت بحرب وحدتها الوطنية واعجزت واسقطت مشروعات امريكا لتقسيم المقسم بعد ان إنفجرت جغرافية سايكس بيكو وتم تجاوزها. من المنطقي القول: إنّ صانع الشيء قادر على تطويره فإعادة تنظيم جغرافية العرب والإقليم على قواعد ونتائج النصر السوري في الحرب العالمية العظمى أمر منطقي، ولسوريا القدرة النوعية على إدارة تفاهمات بين إيران والعرب، ومع الكرد، والأتراك ما بعد الأردوغانية والإخوانية لتفعيل المصالح والمشتركات والسعي إلى تحالف إقليمي ناهض وقادر ليكون الركن الأكثر فاعلية في تحريك قاطرة المستقبل الإنساني والتأسيس لعالم جديد ولنظام وقواعد ناظمة للحياة البشرية سترسو.

الحرب السورية في زمنها الأخير، فإدلب ستعود عربية سورية، بحسب وعد القائد الذي لم يخطئ قط “سيادة الرئيس بشار الأسد” وقد سارت الحروب على ساعته وعلى توقيت دمشق، وشرق الفرات سيعود وبأسرع مما يتوقع المتفائلون والكرد السوريون ليس لهم من ملاذ وحامٍ إلا الدولة الوطنية الملتزمة قضايا أمتها والقائدة في حقبتها الجديدة والمحورية في حلفها المقاوم.

وعلى الرغم من التدمير، والازمات الإجتماعية والإنسانية التي تسببت بها الحرب والحصار والعدوان، إلا أن تجربة سورية وحقائقها وما انجزته من إبداع في حربها يمكننا الجزم بانها قادرة على فرض اجندتها وان تشتق نموذجها لتنهض وتعيد البناء، وان ترسي نموذجها الإقتصادي السيادي وان تأخذ امتها الى حيث تقرر ومعها عالمها الإسلامي وإقليمها المعاد تصنيعه على وقع إنتصاراتها.

سوريا بألف خير، وبأيدٍ أمينة، ونصرها نصر للعرب ولأمم الإقليم ولأمم العالم الحرة.

والجولان، سيبقى على وعد القائد الخالد حافظ الاسد وسط سوريا وفلسطين كانت وستعود جنوبها وساعة عودتها أزفت على وعد السيد حسن نصر الله بأن يصلي بالقدس فتحرير فلسطين راهن وأقرب من الحاجب الى العين.

ويزيدنا ثقة بأن عاصفة قانون قيصر وتشديد الحصارات على سورية وإيران قد إستنفذت قدراتها على التأثير وتمرّد حلف المقاومة وعبرت الشحنات قناة السويس وبلغت الكاريبي، ويأتي الإعلان عن توقيع تحالف إستراتييجي عسكري نوعي إيراني سوري وتعزيز منظومات الدفاع الجوّي السوري المتفوقة أصلا والمعترف بها من هيلاري كلينتون في شهادتها امام الكونغرس وفي بيوتات الخبرات الإستراتيجية العسكرية وفي واقع الحال بأنه أقوى وأهم نظام دفاع جوي في الشرق الاوسط، فالإعلان يحمل مضمونا إستراتيجيا نوعيا، فمن جهة يسقط كل ترهات الصراع الروسي الإيراني في وعلى سورية، ويسقط كل مقولات إن الوجود الإيراني في سورية مأزوم، او إن سورية ستتخلى عن تحالفها الإستراتيجي المشفوع بالدماء الطاهرة، ويسقط إدّعاءات نتنياهو بأن معاركه بين الحروب وإعتداءاته المتكررة قد حالت دون تحقيق التحالف وتفوقه والأهم انه يقرر مسرح عمليات عسكرية حربية وخاصة في الجو والسيطرة على السماء تتخذ طابعا إقليميا بل عالميا، فنظم الدفاع في الدولتين متوافق تقنيا ومن منتجات روسيا وأجيال اس 200- اس300- اس 400 ومن الطبيعي أن يكون منسّقا ومتوافقا تماما مع منظومات اس 400 واس500 والقوة الجو فضائية الروسية المقيمة في سورية والتي تحلّق طائراتها في أجوائها وسمائها، ومتكامل مع منظومات الحرب السيبرانية والكهرومغناطيسيه التي نشرتها روسيا في سورية وهي الأولى والأهم عالميا، ما يعني أن إتفاقا إستراتيجيا سوري- روسي- إيراني- للإستعداد للحرب ولو إتّخذت طابعا او مسرحا إقليميا وعالميا فتنسيق الجهد وإتمام التكامل بين منظومتي الدفاع الجوي السوري الروسي- الإيراني يغطي سماء الإقليم وأبعد وتمتد أذرعه الى جنوب غرب اوروبا ووسطها وعموم سماء فلسطين ولبنان والأردن والسعودية والعراق وتركيا ووسط آسيا الى موسكو، وهنا تكمن أهمية إعلان ماكان قائما بين إيران وسورية من لحظة إنتصار الثورة الإسلامية في إيران فكل ما بلغته العسكرية السورية وصناعتها ودفاعها الجوي قدّم لإيران والعكس صحيح تماما، وهكذا يقع الإعلان بقصد إشهار أن حلف المقاومة وحلفائه قد أتمّو حقبة الدفاع الإستراتيجي وباتوا في وضع يسمح بالإنتقال الى حقبة الهجوم الإستراتيجي ويؤكد هذا القول ما ذهبت إليه إيران في حرب الناقلات والممرّات واأوصلت بواخرها الى الكاريبي وعبرت قناة السويس.

ومن الراجح أن تفاقم الأزمة في لبنان ومحاولات إستيلاء تركيا عبر المرتزقة والإرهابين على بعض شمال لبنان سيؤمن فرصة تاريخية للدخول السوري العسكري لتصفية الإمارات الإرهابية وعندها سيكون الحديث مختلفا عن مستقبل وآليات إعادة هيكلة العرب والإقليم جغرافية ونظم.

  • العراق:

 

ما زال العراق يعاني من آثام الاحتلال، وآثاره، وما ألحقه من تدمير في البنية التحتية، والاقتصادية، والاجتماعية والانسانية، وما زال مسرحا لأمريكا تحاول عبره تدمير الوحدة الوطنية، وتجزئة العراق، وإشاعة التناقضات الإثنية والجهوية والدينية والطائفية، وتحاول استنزاف إيران وحلفها المقاوم، ولن تكفّ عن محاولات قطع الطريق البري بين بيروت دمشق بغداد طهران. إلّا أنّ محاولاتها وتوظيف “إسرائيل” في استهداف المعابر والحشد الشعبي، قد باءت بالفشل الذريع، وقرر محور المقاومة فتح المعبر ولو بالقوة والاشتباك الأمر الذي وتّر أمريكا ودفعها وعملاءها إلى محاولات استهداف إيران والحشد الشعبي في التظاهرات الشعبية المطلبيّة المحقّة والعادلة، وقد استجابت الحكومة واتخذت قراراتٍ من شأنها تلطيف الأزمة ومعالجتها كما قرّرت الانعطافة الحادّة باتجاه أوراسيا والالتحاق بالعالم الصاعد ووقّع وفد الحكومة الكبير إلى بكين عشرات الاتفاقات الاقتصادية مع الصين، ويجري التفاوض لتوقيع عقود تسليح روسية على حساب السلاح الأمريكي وعلى حساب النفوذ والتحكم الأمريكي بالحكومة ومؤسساتها وببعض التشكيلات الاجتماعية والقبلية والمحلية، ويعطي انسحاب ترامب من شرق الفرات مؤشرا نوعيا ينعكس في انهيار تحالفات أمريكا في العراق ويؤشر إلى احتمالات تسريع الانسحاب من العراق ايضا، ما يكشف كل عملاء وأدوات أمريكا و”إسرائيل” في عراق العرب والمسلمين، ويعيد بعث الأمل في تكامل سوريا والعراق تلبيةً للحاجات التاريخية ومنطق الجغرافيا وما يفتح العرب والإقليم على تحولات جوهرية في إعادة صياغة النظم والجغرافيا على وقع هزيمة أمريكا وحلفها وانحسارها وتهاوي النظم والجغرافيا التي نتجبت من الحرب العالمية الأولى.

وما يعانيه العراق من أزمات حياتية ومعاشية، وافقار ونهب وافساد، وتفتيت، تبقى يد امريكا هي الشر المطلق، وتستمر المحاولات الامريكية لترميم هزيمتها وانكسار ادواتها من الإرهاب المتوحش وإلحاق الهزيمة بداعش الصنيعة الامريكية، وتقع المحاولات الامريكية الحثيثة لإنشاء قوة محورية والهيمنة على شمال العراق امتدادا الى الموصل والانبار وعلى طول الحدود مع سورية والاردن والسعودية لتامين اتصال جغرافي بين قاعدة “أنجرليك” والاطلسي من تركيا مع قواعدها في الاردن وفلسطين المحتلة ومشيخات الخليج، وتسعى لتجميع المرتزقة وإعادة إحياء داعش بعد تدجينها وتعزيزها بالسلاح والمال لتمنع فتح الحدود السورية العراقية لفك الحصار عن إيران وسوريا، ومناكفة الحشد الشعبي ومحاولات استنزاف إيران بالمسألة الكردية وبالإرهاب الداعشي والاسلام الامريكي السعودي وأدخلت “إسرائيل” على خط استهداف الحشد ومخازنه ومعسكراته.- بيد أنّ كلّ هذه المحاولات والاستراتيجيات أصبحت في خبر كان بعد فتح المعبر والتحولات النوعية الجارية في الحكومة العراقية وتحالفاتها، وفي حراك الشارع وتلبية مطالبه المحقّة وفي انسحابية ترامب وانكشاف عجز أمريكا العسكري في الخليج ومع إيران والحوثيين وفي سوريا.

بيد أنّ المعطيات كلّها، والإخلال بموازين القوى والارادة الجامعة للشعب العراقي وتكويناته وفي حقيقة الحاجة لتأمين المصالح والاستقرار وتعزيز الوحدة الوطنية وعودة العراق الى مكانته الرائدة في بيئته العربية والاسلامية، كل ذلك ينحاز لصالح العراق وفصائله المقاومة ودوره المحوري في حلف المقاومة، وما ستصير عليه الاحوال في سوريا وانكسار الهجمة الامريكية في الخليج، وصعود إيران ودورها الاقليمي، ومنطقها التصالحي والساعي الى الوحدة الاسلامية والحوار بين الطوائف والمذاهب الاسلامية وتعزيز وتعظيم مكانة العالم الاسلامي من شأنها جميعاً أن تنعكس في انحسار النفوذ الامريكي، وفي تراجع قدرة أمريكا على التدخل في العراق، والأمر ذاته سيترك الاثار على خيار الكرد في شمال العراق، ومشاريعهم وتسريع تحررهم من التحالف مع امريكا والكيان الصهيوني، فتراجع وانحسار القوة الامريكية والانسحابية التي ستستأنف من سوريا وتشمل العراق وربما القواعد في الخليج وفي أفغانستان، ما يوفر أسباب العقلنة في الكرد وفصائلهم ومجتمعهم ويعود للجغرافيا والتاريخ المشترك وآفاق المستقبل عوامل تعزز التفاهمات وصولا الى معالجات ثورية للمسألة الكردية تحفظها وتحتضنها وتحوّلها إلى قوة فعل إيجابي لا منصّة جديدة للغرب الامبريالي لاستنزاف أمم الاقليم في خدمة الهيمنة الغربية المتداعية.

والعراق المقاوم تشكّل شريكا عمليا في إسناد سوريا، وفي القتال الى جانبها، وفي خوض اهم معركة في اخر حروب القرن لكسر المشروع الامريكي الذي استهدف اقامة دولة صنيعة “سني ستان” على مستطيل الحدود السورية العراقية لربط “أنجرليك” بالقواعد في الاردن وفلسطين الى الخليج.

وللتذكير فعند بدء عاصفة “السوخوي” أعلن عن تشكيل غرفة عمليات رباعية سورية عراقية روسية إيرانية منصتها العراق، كما تم فتح المعبر بين سوريا والعراق وأعدت القوة لحمايته برغم تحرشات أمريكا ومرتزقتها من “التنف”.

وأستوجبت المغامرة الحمقاء الترامبية بإغتيال قائد لواء القدس سليماني والقائد الجهادي العراقي المهندس في إشعال الغضب الشعبي العراقي على الإحتلال الأمريكي وأدواته وبدأت العمليات العسكرية التي تستهدف الوجود الامريكي وإتخذ البرلمان والحركة السياسية الفاعلة في العراق قرارها بفرض الهزيمة والإنسحاب الأمريكي من العراق وعمليات التأهيل والإستعداد وبناء القوّة لوضع قرار المقاومة وفصائلها وقد أعلنها السيد حسن نصرالله وكرّرها إن الرد سيكون بهزيمة أمريكا وفرض الإنسحاب عليها من سورية والعراق وهذه ستوفر فرصة تحرير فلسطين ربما بلا حرب كإحتمال واقعي قائم يعززه ما تبدو عليه الحكومة الصهيونية ونتنياهو من أزمات كيانية متفجّرة، ولن يغير في واقع الحال التحرّشات الإسرائيلية المستدامة في سورية بل ربما ترجّح تسريعا وقد تؤدي الى جولة عنف تستعجل الصلاة في القدس خلف السيد حسن نصرالله وقادة المقاومة.

خلاصة:

 مهما حاول الأمريكي والصهيوني والرجعية العربية وأداواتهم في الداخل في تحييد  موقف العراق وجلبه الى المحور المعادي للأمة ، ستبقى راية المقاومة مرفرفة في سماء العراق ولفصائل الحشد الشعبي دورا رائدا و طليعي في تحريرالأمة العربية والإسلامية من التواجد العسكري الأمريكي الصهيوني

 

 

  • اليمن:

 

لعقدين شكل مسرحا لأحداث كبرى، ووقع فيه ستة حروب “صعدة” وشهد حراكا نوعيا في الجنوب، وفي الهضبة والشمال، وتفاعل الشعب اليمني مع الحريق العربي الذي إنطلق من تونس، وإنتفض ورابط في الساحات وطالب بحقوقه، وعندما لاحت بيارق النصر وإنتشرت روح الثورة والمقاومة وسيطرت على معظم اليمن، أعدت السعودية والإمارات بتحالف وشراكة إسرائيلية أمريكية للعدوان وأعلنت الغزو بإسم تحالف عربي وإسلامي، وإستمر العدوان للسنة السادسة والشعب اليمني بقيادة أنصار الله وإسناد من المقاومة الاسلامية اللبنانية والحرس الثوري وفصائل المقاومة سجل ومقاوموه أسطورة في الصمود والإرادة والقتال، فأنهك الغزاة وحلفهم، وإستطاع أنصار الله نقل الحرب الى عمق السعودية بعد إستنزافها وإعجازها وإفشال حربها الغازية، وطور اليمنيون وأخضعوا العلوم والتكنلوجيا وصنعوا الصواريخ الدقيقة وطويلة المدى، وإمتلكوا سلاح الطيران المسير الذي بات فاعلا ومقررا في الحرب ومستقبلها.

حقّق أنصار الله معجزةً عسكريةً في إستهداف “أرامكو” وتعطيل صادرات النفط، وبقدرتهم على إرسال أسراب الطائرات المسيّرة والصواريخ المجنّحة  أكثر من ألف كيلو متر، وإستهداف موقع هو من أكثر المواقع أمنيّة وحصانة وحماية ومراقبة في العالم، قرروا أنّ كلّ القدرات الأمريكية والإسرائيلية والاوروبية وكل أموال السعودية والإمارات، لن تقف في وجه إنجاز نصر أسطوري في طبيعته والقوى المتحاربة وفي تمريغ أنف أمريكا و”إسرائيل” في الاوحال وإسقاط كلّ تقانتهم للسلاح والسلاح المسيّر والدفاع الجوي، والإستطلاع والمراقبة، والعملية الفرط صوتية في أهميتها الإستراتيجيّة أيضاً كشفت أمريكا وأعجزتها عن إسناد أهمّ حلفائها وأدواتها، وكسرت رهانات كلّ حلفاء أمريكا في الإقليم وأشعلت قلقاً ورهابا يهيمن على القيادة الإسرائيلية ويؤرّقها ويجعل “إسرائيل” كلها تقف على قدم ونصف بإنتظار طائرات مسيّرة وصواريخ مجنحة من العراق أو اليمن  أو سوريا ولبنان في أيّ لحظة، وبإضافة الرهاب والشعور بغدر ترامب جراء الإنسحاب من شرق الفرات يصبح وعد السيد حسن نصر الله في الصلاة بالقدس أمراً راهناً وتحرير فلسطين أصبح أقرب من الجفن إلى العين.

 فما جرى ويجري في اليمن لا يقل أهمية في تصنيع نصر تاريخي يغير في أحوال العرب والإقليم والعالم، وقد باتت الحرب في خواتيمها وقد اذلت أمريكا و”إسرائيل” والسعودية والإمارات، وبدأت دول الغزو تعاني من أثار الهزيمة وتتفكك قوتها وتحترب، وتلوذ الإمارات بالإستجارة بإيران وتحاول خطب ودها لمنع الثأرية وتدفعيها الثمن الباهظ، ومع إنفتاحها على إيران وإعادة نشر قواتها ينفجر الجنوب وتعيش عدن حربا أهلية بين الحلفاء وتبذل الإمارات بموافقة السعودية وبتغطية أمريكية إسرائيلية في محاولة لتقسيم اليمن وإقامة الدويلات المحتربة، كي لا يتحرر اليمن ويتوحد ويأخذ مكانه الطبيعي على حساب مشيخات الخليج المنتفخة وعلى حساب الأسرة السعودية المنكسرة والمطبعة هي والإمارات و مشيخات الخليج مع “إسرائيل” والمتحالفة مع أمريكا.

من شأن تطورات الحرب اليمنية وإختلال ميزان القوى وتصاعد قوة ودور حلف المقاومة ورياديّته أن يغيّر في أحوال العرب والإقليم وهذا ما سيكون، وإنتهاء حرب اليمن إحتمال أصبح قاب قوسين، والجهود جارية لإيقاف العدوان وترك اليمنيين لشأنهم ما يحفز على مطالبة اليمنيين وخيار المقاومة من الإنتقال  الى مرحلة جديدة تستوجب إمتلاك رؤية وبرنامج وطني قومي لتوحيد اليمن، وإعادة بنائه والنهوض به لإستعادة مكانته التاريخية المؤسسة في الجغرافيا العربية والإسلامية ومنتجاتها العملية والفكرية على ما كان عليه طيلة زمنه، وقبل قيام مملكة الإرهاب والرمال السعودية التي إستهدفته لمنعه من تحقيق حلم اليمنيين وحصولهم على حقوقهم وتأمين اليمن كقوة ناشطة وناهضة في عربه والعالم الإسلامي، واليمن له جغرافيا حاكمة منذ الأزل وسيبقى محوريا ويظل الجناح الجنوبي للعربية والعنصر الحاسم في صياغة مستقبلها ومستقبل العرب والإقليم وبالإنتصار اليمني يتحقق لحلف المقاومة سطوة وسيادة ومكانة رائدة وقائدة في العرب والمسلمين.

 

 

  • تحولات مصر- شمال افريقيا – وادي النيل:

الموجه الثالثة من الحراك الشعبي تبشر بتحولات نوعية

بدأ الحراك الشعبي النوعي نهاية العقد المنصرم بشرارة من تونس، أحرقت الحقل وأطاحت بالرئيس زين العابدين، وأصابت مصر فأطاحت بحسني مبارك ورفقته، وأحدثت التحولات النوعية في اليمن، ووفرت شروط تحول الحوثيين الى القوة المحورية في الحدث، فسارعت امريكا وحلفها وادواتها وحورت الحراك الى غير الساحات التي كان يجب بلوغها، فافتعلت وفبركت الافلام ونظمت الحملات الاعلامية الطاغية فاستهدفت ليبيا بمشاركة من مجلس التعاون الخليجي وجامعة المستعربين وشرع غزو اطلسي امريكي بشراكة مع الاخوان المسلمين والقاعدة وبإسناد وشراكة الطيران الاماراتي والسعودي والقطري تمهيدا لاستهداف سوريا.

نجحت القوى المتآمرة واحلافها في تعطيل مفاعيل الحراك، وحوافزه، ومشاركة الشعب في الميادين، وشعاراتها ترحيل النظم، وتمكين الشعوب من قيادة دولها ومجتمعاتها، وبقدرتها على تحويره وتحويل الشرارة الى بيئات ودول المقاومة والصمود وفرت “لإسرائيل” عشر سنوات من البقاء والرهان على تفكيك وهزيمة سورية وحلف المقاومة، كما وفرت عشر سنوات للأسر الخليجية وللنظم والجماعات المؤتمرة والعاملة في خدمة أمريكا و”إسرائيل” وفي ذات الوقت تأتي نتائجها بانتصارات نوعية لحلف المقاومة وبمؤشرات قوية على تغييرات حدية في توازن القوى ما يعيد صياغة الحراك على نحو واصول واهداف مختلفة، فإسقاط المتأسلمين الإرهابيين التابعين للأمريكي في سوريا ينهي قدراتهم في وادي النيل وشمال افريقيا، وهزيمة واستنزاف مجلس التعاون الخليجي ينهي قدراته على التدخل في ليبيا واخواتها، وهزيمة أمريكا في سوريا والعراق والخليج واليمن واقعاد فرنسا والاتحاد الاوروبي وكشف ازمة الليبرالية ومؤسساتها يوفر شروطا نوعية وتاريخية لاستئناف الحراك الشعبي على نحو جديد يؤمن شروط تحقيق المصالح الاجتماعية والوطنية.

والبحث المدقق والمعمق بمسارات الاحداث وما آلت إليه يسمح باستعراض وقائع واحداث دالة على أنّ جديدا تنضج عناصره ونضبطه بالتالي:

  • تونس:

 

كان منطقياً ان تبدأ الشرارة من تونس، فالأزمة كانت شاملة، وطنية، واجتماعية اقتصادية، والحراك والوعي الشعبي بلغ ذروته مع استخدام وسائط التواصل الاجتماعي بينما افتقد الحراك لبرامج ولقيادات واحزاب منظمة عارفة لما يجب ان يكون، وجل الحراك جاء عفويا وبفاعلية النقمة ودور الشباب والتواصلية، ما وفر اسباب وعناصر لاغتصاب الميادين بالتحالف بين الجيش، وحركة النهضة الاخوانية المسنودة من مجلس التعاون الخليجي، والاتحاد الاوروبي وامريكا، فتم الاستيلاء على السلطة، وتقاسمها، تحت مسمى الانتخابات والديمقراطية، وقامت حركة النهضة بتسريب الاسلاميين الى سوريا وزجتهم  في المشروع التدميري، وحاولت التفاهم مع تركيا الاخوانية، كما تفاهمت مع بقايا النظام السابق وادارت البلاد على ذات القواعد السالفة بالاستجابة لشروط الدائنين وصندوق النقد ، وأعملت الفساد والنهب والافساد، والتحاصصية، وتحاول “أخونة” البلاد والسلطة، وتحزيبها.

ممارسات النهضة، وتحالفاتها، عمّقت أزمات تونس ولم تفرجها، أو تؤسّس لخروجها من الماضي المستنفذة وسائله وسياساته وبرامجه، وتشكلت حاضنة للجماعات الارهابية المتوحشة وقاعدة للإخوان المسلمين في ليبيا، وبإزاء الصحراء، ومصر والجزائر…

عشر سنوات مرت على التغيير ولم يتغير في تونس سوى الوجوه والأحزاب والمسؤولون، ما يوفر الأسباب العملية لاستمرار حالة الحراك الشعبي وانتشار الاحتقانات الاجتماعية والاقتصادية، والانتفاضات المحلية، والجهوية، ومع انحسار الاخوانية بعد انكشافها وهزيمتها في مصر وسوريا وعموم العرب والمسلمين، وخروج السعودية رسمياً من الوهابية والانقلاب عليها، تفقد “النهضة” والقوى السياسية المهيمنة بيئات ودول الإسناد والتدعيم.

فتونس التي عاشت أيّامها على وقع الحملات الانتخابية الرئاسية بعد وفاة السبسي والانتخابات النيابية، عادت إلى طبيعتها ومكانتها كمولّدٍ لجديدٍ في أفريقيا العربيّة وفي العرب، فقد أفرزت صناديقها مفاجأةً لم تكن متوقّعةً، فأسقطت مرشح النهضة، وأنتجت مرشحين للجولة الثانية من خارج الطبقة السياسية وتشكيلاتها وطبائعها، وأنتجت الانتخابات النيابية توازناً هشّاً في الطبقة السياسية وتشكيلاتها تجعل من غير اليسير على النهضة استعادة قوتها وهيمنتها على الحكومة والدولة والحياة السياسية. ويأتي صعود الخيار القومي العربي والدفاع عن فلسطين وقضيتها المحورية ومحور المقاومة الذي حقق كتلة نيابية لا يستهان بها كمؤشر على تحولاتٍ في مزاج وإرادة الشعب التونسي.

ومن تونس تبدأ حقبةٌ ثوريةٌ جديدةٌ تطلقها وكما كانت الشرارة الأولى وقد اجتاحت العرب كذلك دروس الانتخابات التونسية تؤشر على نهاية عصر وحقبة سوداء في العرب ما بعد الحرب العالمية الأولى وتفتحهم بالتساند مع الجاري في جنوب وشمال العربية القديمة وارتقاء محور المقاومة وتصاعد قوة أوراسيا وهيمنتها، فتبشّر بأنّ عرباً وإقليماً وعالماً جديداً يتولّد ويصبح للناس وللشعب الذي أراد الحياة ما يريد.  

والشّواهد الدّالة على حراك تونس ما بلغته الأزمة السياسية أخيرا وأدّت الى إستقالة الحكومة وتصاعد حركة النوّاب والشارع لمحاصرة وعزل حزب النهضة الإخواني، وتحرّر الرئيس التونسي من همينة النهضة والإخوان المسلمين وتهديده بإستخدام الجيش في مواجهة المؤامرات الداخلية والخارجية وقد زاد من حالة الإحتقان زيارة أردوغان لتونس وتوافقه مع النهضة لتأمين قواعد إسناد وتدريب وتسريب للمرتزقة عبرها ما أمّن حكومة السرّاج ووفّر لها العدد والعدة للإستيلاء على شريط الساحل الغربي الليبي المحاذي لتونس، فالأزمة السياسية التي تضرب بتونس اليوم لها الكثير من الأسباب الإجتماعية والإقتصادية ومن نواتج ممارسات حركة النهضة وفريقها في الدولة، وتجتمع في تونس كما لبنان عناصر الأزمة الداخلية والتحولات الإقليمية والدولية العاصفة ولا تبدو بعيده عن الجاري في ليبيا وتوازن قواها المتسارع ويختل في غير صالح تركيا والإخوان المسلمين في أفريقيا وشمالها العربي وحملة حصار وإسقاط الإخوان جار على قدم وساق وليست مصر ببعيدة عن الهدف.

 

  • ليبيا:

 

تعرّضت لغزو بربري أطلسي وخليجي وبرغم مقاومتها الشديدة إلّا أنّ ميزان القوى فيها وفي العرب وشمال أفريقيا اختلّ لصالح الغزاة الذين دمروا عمرانها وهجروا اهلها، وأعادوها مائة سنة الى الوراء، ونهبوا أموالها وودائعها، والنفط تديره شركات اوروبية وتحميه عصابات ومرتزقة.

تشظّت ليبيا لتدير مناطقها وحواضرها جماعات مسلحة وعصابات نهب وسرقة، ولم تنجح جهود الامم المتحدة والدول الراعية في اعادة بناء دولة مركزية، تجمع الليبيين وتحقق بعض امالهم ومصالحهم، وسيطرت سلطات الامر الواقع، والعصابات المسلحة و”المتأسلمون” الصهاينة من “الداعشية” وأخواتها التي تحولت بها من الاستقرار الى الإحتراب الدائم والاستنزاف والنهب.

فنجحت مصر في تأمين جبهتها الغربية وحدودها الطويلة مع ليبيا بعد ان أطاحت بالإخوان المسلمين وتسلم الجيش السلطة، عبر استمالة قبائل وعشائر ومسلحي شرق ليبيا ، وأمّنت المشير “حفتر” وسلطته في بنغازي وساندته لإنهاء الجماعات المسلحة والعصابات ولبناء جيش وشبه دولة مستقرة، واستدرجت روسيا وطمأنتها وأمّنت علاقة حميمية مع “حفتر”، وزاد تأثيرها في ليبيا انفجار الصراع بين رباعي مصر- السعودية – الامارات – البحرين في مواجهة قطر واعتبار الاخوان المسلمين وتركيا حلف الدول والجماعات المارقة والارهابية  وتناصبها العداء فتصبح الساحة الليبية من أكثر الساحات اشتباكا وتفجّرا.

في اتجاهٍ مخالفٍ صبت تركيا كل جهدها وتمويلها وتسليحها، وتزجّ بالمسلحين الهاربين من سوريا وتنقلهم الى طرابلس لتعزيز قدرات حكومة السراج لإحباط الهجوم الاستراتيجي لحفتر الهادف لإسقاط سلطة الاخوان المسلمين فيها، وتصفية الوجود والنفوذ التركي، والسعي لإعادة توحيد ليبيا، وإقامة دولتها المركزية المسنودة من مصر وتحالفها الخليجي ومن روسيا.

إلى حين ستبقى ليبيا ساحة متفجرة وتستمر حربها الاهلية – الاقليمية، وتستمر كبيئة توليد وتجميع الجماعات الارهابية الهاربة من الساحات التي تهزم بها، في الصحراء لتستهدف الجزائر، والمغرب، وأفريقيا.

والجدير ذكره أنّ ليبيا بالنسبة لمصر تعتبر ساحة ذات شأن محوري واستراتيجي في تأمينها ضدّ الارهاب الذي يستهدفها وضدّ الاخوان المسلمين، وكساحة نفوذ سياسي وعسكري استراتيجي وإعادة إعمارها وثرواتها النفطية حاجة حياتية واستقرارها وتنميتها، وبهذا يصبح مفهوما تبني مصر لحفتر وللقذاذفة واسنادهم بالسلاح والحاضنات.

يبقى السؤال بعد إطلاق سراح سيف الاسلام القذافي واجتماع القبائل وجماعاتها المسلحة حوله وتبنّيه من روسيا ومصر هل يعود الى السلطة وتعود “القذافية” شريكا محوريا.. أمر لا يجب أن نستبعده وقد يكون شرطا لتعزيز التحالف مع حفتر للإخلال بميزان القوى العسكري وتمكين الهجوم الاستراتيجي من تحقيق اهدافه، وعندها يمكن القول إنّ الغزو الأطلسي وامريكا وحلفها هزمت في ليبيا بعد ان وفّر الغزو فرصا لروسيا ومصر وتحالفاتها، وستكون هزيمة مدوية للإخوان المسلمين ولتركيا أردوغان ستنعكس في تركيا نفسها وفي مشاريعها وسعيها للتوسع.

ومع المغامرة الحمقاء التي إرتكبها أردوغان بالتعاقد مع حكومة السرّاج ومدّها بالخبراء والضباط الأتراك، لتوحيد فصائلها، وزجّه بعشرات الاف المرتزقة وبتوريد السلاح والعتاد وإستعراض قوّته العسكرية بمناورات على السواحل التركية، وبقرار مصر- روسيا التدخّل وإنجاز كل مقدّماته وشروطه بما في ذلك إستدعاء برلمان طبرق للقوات المصرية للتدخل لحماية الإستقرار وتحرير ليبيا من المرتزقة، ترتسم في ليبيا ملامح زمن فاصل سيغير من التطورات والأحداث والتوازنات الليبية والعربية والإقليمية والعالمية لأهمية ليبيا كموقع جغرافي حاكم  وثروات هائلة، وستتحول الى منصة لتثبيت صعود اوراسيا وتطهير المشروع العربي من أدران حقبة السعدنة والساداتية التي أقعدت مصر عن دورها القومي ومكانتها ووزنها، فغالب الأمر أن الأزمة الليبية ستدفع مصر ولو إضطراريا وتحت ضغط الحاجة الماسة لعناصر الحياة التي تقدمها ليبيا وثرواتها، وأزمة النيل وخطر تعطيش مصر، الى التحول والعودة الى جغرافيتها وتاريخها وبيئتها العربية كقوة فاعلة محورية متكاملة مع سورية وإنجازاتها العبقرية.

  • مصر:

 

جرت الأمور في مصر وأزمتها وحركة ميادينها على شيء من الغرابة، والمفاجآت، وكشفت عن قوة الدولة العميقة، وعن قدرات نوعية للجيش المصري بصفته العامود الفقري للدولة الراسخة، وقد انتظمت الأحداث بما يشبه المخطط المتّقن، والمشغول عن سبق تصورٍ وتصميم.

فما أن وصلت شرارة تونس إلى القاهرة حتى إنتظمت الحشود المليونيّة وإنحاز الجيش للشارع والشعب ,الذي أسقط حسني مبارك وتم عزله ورموز نظامه والفاسد ، وقاد المجلس العسكري مصر لسنة, أجريت خلالها إنتخابات نيابية ألغيت لسيطرة الإخوان عليها، ثم إنتخابات رئاسية تم عبرها تسليم الإخوان الرئاسة ل”مرسي” إلا أن الجيش والحراك الشبابي والمؤسسة المدنية كانت عناصر إسقاطهم وتهميشهم، وجاء خطاب مرسي في إستاد القاهرة وإعلانه زجّ مصر في الحرب على سوريا، بمثابة الصاعق الذي فجّر برميل البارود وقرر الجيش, الإجهاز عليه والإطاحة بالإخوان المسلمين. وتمت العملية بطريقة متّقنة، وبإستخدام الشارع وحركات الشباب وتحركات الشعب, وسلّمت السلطة لسنة, للقضاء، تم خلالها إعداد الشارع والبلاد لوصول السيسي الى الرئاسة والسيطرة علي السلطة , وتصفية الإخوان المسلمين وإعادة هيكلة السلطة ومؤسساتها ومشاريعها على قياس تثبيت الجيش بالسلطة لزمن طويل بصفته الحامي والحاكم في الإقتصاد والسياسة  والبنية الإجتماعية والمؤتمن على وحدتها وإستعادة دورها.

وقد إعتمد الجيش على الشارع، وعلى دوره في الحركة الإقتصادية والمجتمع حيث إحتل نسبة 20% من الناتج القومي المصري الذي ينتجه الجيش ومؤسّساته- و التي يشتغل فيها أفراد الشعب المصري . وإستند إلى التحالف مع السعودية والإمارات ونفوذها في الحركة السلفية المصريّة، وإعتمد على التمويل والهبات  الإسعافية التي قدّمتها الإمارات والسعودية، ليتمكّن من تلبية الحاجات الضرورية، والسيطرة، وأجرى تغيّرات في التوجّهات التسليحية والإقتصادية وتحوّل من أيامه الأولى في السلطة الى آسيا، وعزز التبادلات مع روسيا والصين التي سارعت بدورها للإستثمار وتأمين الجيش في السلطة وتلبية حاجاته.

– وقد حرّرت الحكومة سعر الجنيه، وعمقت ربطه بالدولار وطبقت وصايا صندوق النقدوالبنك الدولي, لتمويل السلطة ومشاريعها، وأطلقت عدداً كبيراً من المشاريع الكبرى والقومية, ورفعت الدعم عن المشتقّات النفطية والسلع المدعومة، ورفعت الأسعار، وإدعت الحكومة أنّها في حقبة إعادة بناء الإقتصاد وتحويله الى إنتاجي، وتكرّر وعدها بالخير العميم, وبإستعادة دور مصر وأمنها القومي والإقليمي، وزادت من القوة العسكرية كمّا ونوعا وإمتلكت أحدث الأسلحة، والقوّة البحرية وحاملات الطائرات.

وتحوّلت سلطة الجيش في موقف مصر من قضايا العرب وحروبهم، واكتفت بالتدخل السلبيّ في سوريا، وطمأنتها بالدعم اللوجستي في تصفية بؤر مسلّحة مموّلة خارجيا.

وتقود الحلف مع السعودية والخليج على إستراتيجياتها في العداء لتركيا وقطر والإخوان المسلمين- نفس أعداء سوريا- ودعمت غزو اليمن دون الإنخراط عملياً ، ورفضت محاولات أمريكا لإنشاء ناتو عربي إسرائيلي أمريكي، وتؤكد حرصها على أمن الخليج وإستعدادها للمشاركة في حمايته، وترفض بعض الإملاءات الأمريكية في الإقليم، بينما تعزّز التحالف الإستراتيجي مع آسيا في كل الميادين وتنسق جهودها مع روسيا أولا.

كما عطلت دور جامعة المستعربين في سوريا وليبيا والعراق, خاصة وأنها كانت أداة  طولى لإمارة قطر ومشروعاتها التخريبية.

وهي تحاول الإنفتاح على العراق مباشرة وعبر الأردن، ولم تستعدي إيران بالرغم من الضغوطات الرجعية العربية والولايات المتحدة ولو إعلاميا.

كما إنها تستمر على تمسّكها بإتفاق كامب ديفيد المقبور, وتنسّق الجهد مع الكيان الصهيوني في سيناء وحربها على الإرهاب، وتعزّز علاقاتها وتبادلاتها الإقتصادية وتعاقداتها الغازيّة مع الكيان الصهيوني , وتحاصر بأشدّ وسائط الحصار غزة بذريعة حصارها لحماس الإخوانية المساندة  لمؤامرة الاخوان المسلمين في مصر.

وطبّعت علاقاتها الإقتصادية والإجتماعية والعسكرية مع سوريا دون الدفع, لإستعادة العلاقات الدبلوماسية العلنيّة وإلزام حلفها الخليجي بالإنفتاح على سوريا، برغم أنها تدير تفاوضا بين سوريا والسعودية والإمارات لعودة الأمور الى طبائعها.

كما طالبت وطالب رئيسها مرارا وتكرارا بإنشاء قوة عسكرية عربية موحّدة لم تتحقق بسبب الخلافات مع السعودية على دورها وقيادتها ومهامها وتمويلها.

والملاحظ أن الرئيس السيسي يكثر في خطبه من الكلام عن العروبة والأمن القومي العربي والحاجة الماسّة لتوحيد الجهد والأداء، كما يركّز الهجمات على تركيا والإخوان المسلمين، ويضغط على الأزهر لإحداث تغيير نوعي في برامجه وكتبه ويحصر الفتاوى في دوائره العليا ويحاصر الجماعات الإخوانية والسلفية لصالح الصوفية.

ما هو جار في مصر يحمل على الإعتقاد بأنها تسير على خطى ثابته ومدروسة”. فنسبة النمو للسنة الثالثة تزيد عن 5% بحسب تقارير صندوق النقد والمؤسسات ذات الصلة , ولكن دون أن يعود ذلك علي الغالبية من الشعب المصري , فإزداد الفقراء وتقلّصت الطبقة الوسطي  . كما أنها ,تمدّ يدها الى إفريقيا العربية في ليبيا وتونس، وتحاول إعادة نظم العلاقات وإتجاهاتها ومستقبلها في وادي النيل- السودان لتأمين النيل والمياه، ولتصفية بؤر الإخوان المسلمين وساحات نفوذه. وقد أدّت الجهود الشعبية  السودانية إلي إسقاط الإخوان المسلمين في السودان وتصفية الوجود التركي الإقتصادي والعسكري التي أمّنها الحكم  السوداني تحت تأثير إخوانيته وتمويل قطر وتلبية أوهام أردوغان بالعثمانية الجديدة.

وما زال ينتقص من قيمتها ومن دورها المأمول، علاقتها بالكيان الصهيوني ومحاصرة غزّة، وتأخير الإنفتاح وإعلان العلاقات المميّزة مع سورية وجيشها وقائدها… وان فعلتها، وغيّرت وعندما تفعلها, لها أن تغيّر في إيقاع أزمنة العرب وتأمين مستقبلهم وإحداث زلزال, سيغيّر في الإقليم ويسهم في المتغيّرات العالمية.

فمن نافلة القول: ان ما هي عليه مصر، وما تحققه, لم يكن ليحصل لولا أن تحالف المقاومة هزم “إسرائيل” وقيّد يدها، وهزم أمريكا وجيوشها المباشرة وبالواسطة، وأسقط الإخوان المسلمين والوهابية،  ومع إنتصار سوريا المرتقب سيحفّز مصر ويوفر شروط إحتمال إستقرارها وتسلّم الجيش مقاليدها لتمكينها ولتعزيز توجّهاتها  وعودتها للعب دورها الطبيعي  في الوطن العربي وتعميق التحالف مع آسيا .

 فبالنسبة لموقف مصر ودورها وإستراتيجياتها في مواجهة التحديات الوجودية والحياتيه التي تعرّضت لها وأصابع امريكا والناتو والكيان الصهيوني ليست خافية في ليبيا والإستفزاز التركي وإستدعاء مصر لحماية أمنها الوطني والقومي والإجتماعي والإقتصادي وحياتها. فليبيا وإعادة إعمارها وثرواتها تمثّل البعد والفرصة الوحيدة لمصر بعد إنحسار الخليج وتأزمه، كما تمثّل حدودها الغربية الطويلة, خطراً ماحقا, إن تحقّقت السيطرة لتركيا والإخوان المسلمين ,وتصبح مصر محاصرة من كل خواصرها بالإرهاب والإخوان والكيان الصهيوني، وفي سدّ النهضة وسقوط محاولات التفاوض، والقرار الاثيوبي- الأمريكي الاسرائيلي, بإملاء السد وتعطيش مصر، وسلب حقّها في سر وشريان حياتها النيل، كما تنال منها ومن نموّها الإقتصادي المشهود للسنوات الأخيرة.

فمصر التي تتهددها الأزمات وتبلغ درجة عاتيه تجعلها على مفترق الحياة أو الموت ستلزمها وتحفّزها الى التوثّب والإنتقال من حالة التعطّل في الدور وعدم الفعل, الى إستعادة دورها، وغالب التقدير أنها ستفعلها في ليبيا، ومنها ستكون معنية بفعلتها في مواجهة أثيوبيا.

 وفي كلّ الأحوال لن يكون لها مستقبل وحضور ومكانة ما لم تمد يدها لسورية العربية الحاكمة في شمال شرق العرب ليتحقق للعروبة عصرية وتعود الى التحليق بالجناحين (المصري والسوري).

 

  • السودان:

 

إستنفذت سلطة البشير وفريقها من الإخوان المسلمين كل الفرص، وتقلّباتهم في التحالفات، وزجّ السودان على غير مصلحةٍ أو أملٍ في الحرب الظالمة على اليمن وشعبه، وجنّد المرتزقة وزجّ بالجيش في أتون الحرب، وقطع علاقات السودان مع إيران وسوريا التي كانت تؤمّن تمويل غزة بالسلاح وحوّل السودان إلى أداةٍ بيد السعودية والإمارات فاستحقت سلطته وجوب السقوط.

شهد السودان حراكا شعبيا نشطا منذ سنوات طويلة، ولم تفلح الحركة الشعبية في إحداث تغيير في توجهات السلطة او بنيتها، حتى جاءت الفرصة المناسبة، فتخلي السعودية والإمارات عن تمويل البشير وحكومته أوقعها بالعجز وبفقدان الأموال فأدّى رفع أسعار المحروقات والخدمات والسلع لتوفير الشرارة التي أطلقت  الحراك الشعبي النوعي والمتسع لأشهر متواصلة، وفي الخلفية حاضنة مصرية سعودية إماراتية لمعاقبته وإسقاطه بسبب إخوانيته والعلاقة بتركيا وتأمين منصات وقواعد لها في البحر الأحمر، ولإحتضانه “إخوان مسلمين” مصريين وتأمين منصات لهم وإستجلاب الإرهابين وتأمين منصة لهم للعمل في مصر وليبيا. وقد باتت الساحة السودانية أولوية مع تعميق التحالف المصري الخليجي ووضع الإخوان – تركيا على جدول الأولويات.

إستثمر الجيش وفصائل منه موالية لتحالف مصر- الخليج، الأزمة، وعجز الحركة الشعبية وقيادتها عن إتمام الثورة، والتحول بالتظاهرات والإعتصامات والحشود الى فعل ثوري منسق ومنظم، وتم الإنقلاب عبر سلسلة من الإنقلابات والتغييرات وأطاح المجلس العسكري بالبشير وفريقه وزجهم في السجون، وأستمر الحراك الشعبي ليفرض توازنا من طابع جديد، يؤسس لإمكانية خروج السودان من حكم الإخوان المسلمين الى “الديمقراطية” وفكّ التحالف مع قطر وتركيا، وتعزيزه مع مصر وتعزيز دور مصر في التحالف مع السعودية والإمارات.

الإتفاق بين المجلس العسكري وقيادة الحراك الشعبي، بحسب نصوصه، يوفر شروطا وأسباب للإستقرار، وإعادة البناء وإشاعة الديمقراطية وتأمين المشاركة الشعبية في الدولة وأجهزتها، ومن شأنه أن يترك آثارا على دور وموقع السودان المحوري في بيئته وفي عرب النيل وشمال إفريقيا وإفريقيا الجنوبية والصحراء ومنابع النيل.

يتقاطع حراك السودان وما يستقر عليه مع صعود خيار المقاومة في المشرق العربي وتمنيات عودة مصر لعروبتها ما يمكن أن يفتح آفاقا جديدة في العرب والاقليم.

وبالرغم من اللقاء السري بواسطة الإمارات بين رئيس المجلس السيادي في السودان عبد الفتاح البرهان في العاصمة الأوغندية مع نتنياهو لبدء الحوار من أجل تطبيع العلاقات بين البلدين والذي رفض رفضا كاملا من غالبية القوى السياسية والشعب السوداني من خلال تظاهرات عمت غالبية السودان , وبالرغم من ذلك فتطبيع الإمارات مع كيان الغاصب وضغطهم مع الامريكي  على عبد الفتاح البرهان فرض التطبيع مع الكيان الغاصب بالرغم من رفض الشعب السوداني لاي تطبيع مع العدو الصهيوني. 

  • الجزائر:

 

انفجرت الجزائر التي ورثت “العشرية الدامية”، وتسبب بها محاولات إغتصاب السلطة من فريق حول الرئيس بوتفليقة بعد أن أثخنها فسادا، وإلحاقا بالاقتصاديات الليبرالية وعزز النفوذ الفرنسي والأمريكي في الدولة والحياة الاقتصادية والسياسية.

وبرغم ان الجزائر ظلت امينة على عروبتها وثورتها وحافظت على خطوط اتصالها بدمشق وبطهران ورفضت املاءات واشنطن والجامعة العربية، ولم تقطع الوصل مع شامها وأمنتها بالنفط والعتاد وحاولت تغطيتها دبلوماسيا وسياسيا، الا أنها بقيت مستهدفة وحاولت دول معينة اشعال الفتائل فيها وقيادة “ربيع”، واستهدفت من داعش والقوى الارهابية مرارا وتكررا، وتحاول القوى الخارجية العبث بهويتها ووحدتها الوطنية وتصعيد ازمات الهوية واستحضار قضايا الاقليات “الأمازيغ” واشغال الجزائر عن دورها وتاريخها، جاءت محاولات تمرير عهدة خامسة لبوتفليقة المقعد كصاعق تفجير وخرج الشارع  حتى فرض التغيير المتدرج.

ولكون الجيش الجزائري وريث الثورة وجبهة التحريرالوطني، وعلى صلة رحم مع الجيش المصري والسوري والروسي، وله مكانته في الدولة العميقة والمجتمع انحاز للشارع، ومنع بوتفليقة من الترشح، واستجاب لنداءات الشارع وضغوطه وزجّ برجال الفساد والحيتان في السجون، وأعفى الكثير من المسؤولين استجابة لمطالبات الحراك المجتمعي.

ترجح المعطيات الوافرة، ومسارات الازمة، والعلاقة بين الجيش والشارع، وتفكيك سلاسل ومافيا الفساد والافساد، ومنع ظهور الجماعات الداعية لتفجير قضية الاقليات والهويّات المؤسّسة، والحملة ضد الاوربة وضد فرنسا ورجالاتها في الحكم ومنسوب العلاقة بين الجيش المصري والجزائري والعلاقات الحميمية بين الجيش الجزائري وروسيا وتجديد عقود التسليح، وتبادل الخبرات وبإعتبار ليبيا وتونس وازماتها وجهود تصفية الإخوان فيها والجماعات المسلحة وبإسناد نوعي من مصر وتحالفها الخليجي، تمثل عناصر مساعدة  قد تؤمن خروج الجزائر من المستنقع بأقل الخسائر وبتفاهمات عميقة بين المؤسسة العسكرية والحراك الشعبي الذي كشف عن حالة نضج وإتقان، ويسهم بتسهيل وتسريع خروج الجزائر من ازمتها وعدم تحولها الى الحروب والفوضى وما هو جارٍ عالميا واقليميا من تحولات في غيرصالح المشروعات الغربية التآمرية وتحالفاتها.

وباستقرار الجزائر على صيغتها الجديدة، وإستعادتها لحريتها وتعميق سيادتها ودمقرطة حياتها السياسية وتصفية بؤر الفساد، من شأنها ان تضيف عناصر نوعية لإمكانات نهوض شمال أفريقيا ومصر ووادي النيل ليتشكل الجناح الغربي للعربية العصرية لتعاود الإقلاع والطيران وتسهم في إخراج الإقليم من تخلفه وأزماته وتلجم التآمرعلى العرب وافريقيا والعالم الإسلامي المترامي الأطراف والهائل القدرات والثروات.

  • المملكة المغربية:

تواجه المغرب كما سائر بلاد المغرب العربي مع وجود الإستثناء طبعا في تفاصيل الأزمات والمشكلات العاصفة بالإقليم موجات من التحدّيات الإجتماعية وأخرى ذات صلة بالمحيط الإقليمي والدولي، ومع وجود ورش مفتوحة للتنمية وتحوّل في البنيات التحتية وإدخال مساطر قانونية جديدة لتسهيل عملية إنتاج الثروة وتوزيعها في إطار ما نصّ عليه الدستور المعدّل بخصوص التشاركية والتوجه نحو الجهوية الموسّعة والتنمية المندمجة إلاّ أنّ هناك صعوبات لا زالت تواجه المغرب، يضاف إليها نقاش عمومي حول وضعية تدبير الحقل السياسي، والحراكات الشعبية وطريقة تدبير الملفات الحقوقية، بالإضافة إلى تدبير العلاقة مع الإتحاد الأوروبي في مجال الصيد البحري والتي شهدت هي الأخرى إرتجاجات، يضاف إليها تحوّلات في نوعية التحالفات الإقليمية وتصاعد الخلاف بين كل من السعودية والإمارات من جهة والمغرب من جهة أخرى، هذا فضلا عن التحديات الأمنية والإرهاب الذي يعصف بمنطقة الساحل وجنوب الصحراء وذلك من خلال الكشف بين الفينة والأخرى عن خلايا إرهابية نائمة، هذا بالإضافة إلى تداعيات المشكلة المزمنة التي تتعلق بالنزاع حول الصحراء والذي لا زال حائلا دون تحقق الرغبة في إكمال مشروع الاتحاد المغاربي.

وهناك ضغوط كبيرة تمارس على المغرب للإلتحاق بموجة التطبيع علنا بعد ان كان غيرمعلن ومحاولة إستعمال مشكلة الصحراء كورقة لكنها محاولات فشلت حتى الان على الرغم مما يقوم به لوبي التطبيع، وهذا ما صرّحت به بعض مراكز الأبحاث في الكيان الصهيوني وهي تعبر عن الأسف أن المغرب رفض أن يكون هو قائد هذه العملية، وتعتبر القضية الفلسطينية ولا سيما القدس من الثوابت السياسية في الثقافة السياسية والإتفاقات الرسمية والشعبية مما يجعل تجاوز هذا الوضع قضية غير واردة، كما أنّ المغرب لا زال متشبّثا حتى الآن بميثاق جامعة الدول العربية والقرارات الأممية بخصوص ما توصلت إليه الاتفاقيات المبرمة ورفضه رسميا وشعبيا لصفقة القرن.

وفي هذا السياق، تجدر الإشارة الى أن مواقف الجامعة العربية لم ترتقِ إلى مستوى مصلحة الوطن العربي عبر تاريخها، وخاصة بعد موقفها مما سمي بالربيع العربي، ومن العدوان على سوريا وإخراجها من الجامعة، والعدوان الأجنبي على ليبيا والعدوان على اليمن. كما أنها لم تتعامل مع التطور الخطير المتمثل بإعلان اتفاقية التطبيع بين الامارات والعدو الصهيوني. حيث أن جامعة الدول العربية أسقطت مشروع قرار قدمته فلسطين في اجتماع وزراء الخارجية، يدين اتفاق التطبيع بين الإمارات و”إسرائيل”.

وفي ذلك مؤشر خطير على تبني الموقف المغربي السياق التطبيعي العلني الذي بدأت تعلنه مع بعض الدول العربية المطبعة مع العدو الصهيوني .

وعلى مستوى آخر لا زال المغرب يواجه مشكلة تراجع دور الأحزاب السياسية في تأطير المجتمع حيث تقدّمت جمعيات المجتمع المدني على الأحزاب وهو ما يتهدّد بعزوف إنتخابي في الإنتخابات القادمة، ولا زال حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة يواجه تحدّي التدبير ولكن تحت رقابة الأحزاب والمجتمع المدني والصحافة بحيث إنتهى إلى نوع من الشرخ بعد إقالة الحكومة في نسختها السابقة ومجيئ نسخة معدّلة، حيث الحديث عن فشل في تدبير معظم الملفّات التي تتعلق بالتعليم والصّحة وقطاعات أخرى. ومع أن حزب العدالة والتنمية ينتمي إلى مرجعية الإخوان المسلمين ويرتبط بشبكة واسعة من العلاقات مع إخوان ما سمّيا بالربيع العربي إلاّ أنه تحت رقابة الرأي العام والصحافة والمجتمع المدني يحاول أن ينفي هذا الإرتباط، ومع أنّه فرّخ عددا من الجمعيات التضامنية مع فلسطين إلاّ أنّ هناك التباس قائم حتى الآن في الموقف من محور المقاومة حيث إنخرط كوادر الحزب وجمعيته الدعوية في الحملة التحريضية ضدّ سوريا وأيضا إنخرطوا في موجة الخطابات الطائفية ضدّ محور المقاومة. وتسعى هذه الجماعات ومن خلال التنسيق مع بعض الجهات المعنية بالعمل الفلسطيني لإحتكار العمل والتآمر على كل من لا يمرّ من تنسيقياتهم، وهذا ما تكشف عنه مجمل خطاباتهم وبياناتهم المباشرة وغير المباشرة طيلة سنوات، مما يجعل حركتهم التضامنية مع فلسطين مشوبة بخلفيات الإخوان والسلفيّين كما لا يخفى.

ويعيش المغرب على إيقاع نمو ثقافة سياسية مختلفة، والتدافع السياسي قائم منذ سنوات بحثا عن أفق جديد في مسار لا زال المغاربة يرون أنهم في وضعية إنتقال ديمقراطي.

 

  • موريتانيا

في سياق الأحداث المتلاحقة التي تشهدها منطقتنا العربية، والتي سعى من خلالها الأعداء إلى تمزيق الأمة العربية وإلى النيل من إستقرارها ووجودها، إستطاعت موريتانيا رغم بعدها جغرافياً عن بؤرة الأحداث، والحجم الهائل من الضغوط، أن تقطع علاقاتها مع الكيان الصهيوني في وقت مشيخات الخليج تطبع العلاقات معه، كما لم تقطع موريتانيا العلاقات مع الجمهورية العربية السورية ومع جمهورية إيران الإسلامية دون أن تتأثر بمختلف الضغوط التي مورست ضدها في هذا الصدد، ورغم سعيها للحصول على تمويلات دول الخليج وحاجتها إلى ذلك، إلّا أنها رفضت المشاركة بقوّاتها في ما يسمى عاصفة الحزم التي تقودها السعودية ضد الشعب اليمني المظلوم، وذلك بالرغم من مشاركة قوّاتها في ساحات إفريقية متعدّدة (تحت مظلة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي(.

وهذا الموقف الرسمي الطبيعي كان نتيجة لحراك شعبي كبير مؤيّد لخيار المقاومة ورافض لما سمي بالربيع العربي وللعدوان على اليمن وداعم لسوريا في وجه المؤامرة الكونية الظالمة، ووقوفا إلى جانب الجمهورية الإسلامية الإيرانية وهي تواجه أعتى موجات الإستكبار العالمي، كان حراكاً قوياً وكثيفاً من خلال أحزاب سياسية مختلفة ومنظمات مجتمع مدني ونقابات عمالية وهو ما ترجم بشكل واضح لا لبس فيه، مواقف الشعب الموريتاني الأصيلة من قضايا أمتنا المحورية وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

وفي الآونة الأخيرة قرّر مجلس الوزراء منح سفارة الجمهورية العربية السورية في نواكشوط قطعة أرض في منطقة راقية من العاصمة، في إشارة رمزية إلى عمق العلاقات بين البلدين.

وحيث أن السلطة التي اتخذت هذه القرارات الشجاعة قد تبدلت على إثر الانتخابات الرئاسية الأخيرة إلا أن المواقف المشرفة من قضايا الأمة تعدّ من الثوابت القومية بالنسبة للنظام الوطني الجديد.

وفي الوقت الراهن، تعتبر الانتصارات التي يسجّلها محور المقاومة في مختلف الساحات وبالأخص في الجمهورية العربية السورية واليمن محفزاً لتطور إيجابي نحو مواقف وطنية وقومية أكثر التزاما بقضايا الامة والتحرر من هيمنة الرجعية العربية.

  • الصومال – اريتريا – جزر القمر:

 

الصومال

شكلت أزمة نوعية على مدى عقود ولعبت دورا محوريا في تقييد حدود القوة الامريكية وهزيمتها، لكنّ الولايات المتحدة بالتعاون مع السعودية استطاعت توريطها بالحرب الاهلية وبسيطرة فصائل القاعدة وإحترابها كما بالولاء للإمارات وقطر وتركيا – أردوغان من ناحية ثانية…

ومع تراجع عناصر القوة في الخليج يمكن القول: إن مصيرها أصبح شديد الارتباط بالجاري في وادي النيل واليمن…

اريتريا

تحتل إريتريا موقعاً استراتيجياً، مما جعلها تحظى بأهميةٍ عند الدول الاستعمارية، ورغم كل ذلك لم يستكن الشعب الاريتري للمؤامرات، بل كان مقاوما من اجل نيل حريته واستقلاله وكان دوما يجد السند والدعم من بعض الدول العربية والاسلامية وخاصة من مصر في عهد الزعيم الخالد جمال عبد الناصر وكذلك سوريا والعراق…

وفي فجر 25/5/1991 نال الشعب الاريتري استقلاله من الاستعمار الاثيوبي بعد كفاحٍ مسلّحٍ دام ثلاثين عاما، ولكن وللأسف الشديد سرقت هذه الانجازات من أيادي اريتريّة ممثلة في حزب الجبهة الشعبية لتحرير اريتريا بزعامة “اسياس افورقي” وكانت كرامة الانسان الاريتري تنتهك في مختلف مناحي الحياة (اقتصاديا- سياسيا- ثقافيا- اجتماعيا) وامتلأت اريتريا بالسجون والمعتقلات القهرية وفاق عدد المعتقلين والمخطوفين عشرات الآلاف وحرمت البلاد من خيراتها الاقتصادية الوفيرة وعاش شعبها حرمانا بشعا لا مثيل له ليكون الشعب الاريتري في رحلة لجوء وهروب من هذه الويلات وتعرض شبابه لمخاطر الهجرة غير الشرعية مما جعله عرضة لجرائم الاتجار بالبشر والمؤامرات وتورطت السلطة في دعم العناصر الارهابية في منطقة القرن الافريقي كدعمها ومساندتها لحركة الشباب في الصومال وكذلك دخولها في ما يسمى بالتحالف العربي للعدوان على اليمن حيث اتخذ هذا التحالف المشؤوم من ميناء “عصب” الاريتري منطلقا للعدوان.

ومن جانب آخر نسج هذا النظام علاقات مشبوهة مع الكيان الصهيوني، واليوم نجد “إسرائيل” تصول وتجول في أرخبيل “دهلك” في عمق الشواطئ الاريترية كما نجد الخبراء الاسرائيليين وفي مختلف المجالات ينسجون خيوط مؤامراتهم لشعوب ودول المنطقة من الداخل الاريتري…

ورغم كل هذه المؤامرات نجد الشعب الاريتري صامدا في مقاومتها ورافضا للسياسات والتحالفات بمختلف مكوناته السياسية والدينية والعرقية برغم ما يجده النظام من دعم مادي سخي من منظومة الخليج والكيان الصهيوني، واستطاعت القوى الوطنية بقيادة جبهة التحرير الاريترية بناء مظلات سياسية لهذه المقاومة ممثلة في المجلس الوطني الاريتري للتغيير الديمقراطي والتحالف الديمقراطي الاريتري…

وتجري المقاومة الشعبية بمختلف الوسائل والميادين ضد النظام الاستبدادي المرتبط بالمشاريع الاستعمارية ضد شعوب المنطقة ومصادرها الاستراتيجية من منافذ وممرات (البحر الاحمر) ومحاولات جرّ اريتريا خارج المحيط الطبيعي لها والمتمثل في المحيط العربي والقومي المحب للسلام والعدالة.

ويبقى مستقبل اريتريا وحراكها الشعبي والاجتماعي مرتبطا أشدّ الارتباط بما سترسو عليه معادلات حرب اليمن وموازين القوى في العرب والاقليم.

جزر القمر

 

تنشط الحركة الشعبية والمعارضة الوطنية، فقد شهدت العاصمة موروني في أيار 2018 وموسمود عاصمة أنجوان المدينة الثانية في الأهمية، شهدتا تظاهرات شعبية ضدّ الإجراءات التعسفية للرئيس عثمان غزال بحلّه المحكمة الدستورية وتعديل الدستور للبقاء في السلطة. وندد المتظاهرون باحتجاز الرئيس السابق السيد أحمد سامبي الذي فرضت عليه الإقامة الجبرية في بيته بالعاصمة موروني وتم منعه من ممارسة نشاطه السياسي لمواقفه من تلك الإجراءات ونظرا لتمتعه بشعبية كبيرة، وقامت عشرون منظمة سياسية وحقوقية من المعارضة القمرية بمظاهرات في باريس والعواصم العالمية وشكلت جبهة موحدة للدفاع عن حقوق الإنسان بجزر القمر ومواجهة الإجراءات التي تعرّض الوحدة الوطنية للخطر مثل إلغاء الحكم الذاتي للجزر وانتهاك الدستور وتعطيل المؤسسات.

ويتصاعد الحراك رفضا لإذعان رئيسَ الجمهورية لإملاءات السعودية بإغلاق سفارتي قطر وإيران، والسعي لإثارة فتنة طائفية والتماهي مع جرائم السعودية.

ومع هزيمة العدوان السعودي الاماراتي في اليمن وتراجع النفوذ الأمريكي الإسرائيلي فمن المرجح أن تتصاعد الحركة الشعبية الوطنية وتفرض حقوقها ومطالبها بتحرير السلطة والسياسات من الولاء للتحالف السعودي الصهيو أمريكي …

إنّ هذه الدول الثلاث تعيش حالة اضطرابٍ واختلاج، ويضرب فيها الفقر والتخلف وتشتدّ الحاجة، فهي بموقعها دول طرفية فقيرة الموارد على الرغم من توفر الثروات المنهوبة من أقطاب الفساد المرتبط بالدول التي كانت تستعمرها والتي لا تزال تهيمن على ثرواتها من خلال عقود مجحفة طويلة الأمد، كما أنها ذات موقع جغرافي هام، وساحات اشتغال للقوى الاقليمية والدولية وهدف محوري للغرب ومحاولة لزرع قواعده وادواته والسيطرة عليها للعبث بجاراتها وتأمينها وتطويعها، ولهذا فمن المنطقي أن تتأثر بما يجري في محيطها وتتفاعل معه، والجاري يؤشر على حتمية وقوع تطور نوعي في العرب وفي الإقليم، فالأزمات الضاربة فيها لن تنجلي قبل ان ترسخ معادلات العرب والاقليم وتستقرّ على توازناتها الجديدة واتجاهاتها لتأخذها معها وتعيد تنظيم مكانة الدول الطرفية والفقيرة، والواقع ان مستقبل الوضع في اليمن يشكل حافزاً لتطور إيجابي على مستوى حركات التحرر والتقدم في هذه الدول.

  • السعودية ومشيخات الخليج

في أزمة تكوينية وإفتقاد الدور الوظيفي وتحول الحلفاء –  الخيارات محدودة:

أنشئت مملكة الرمال منذ عام 1939 بتعاقد بين الأسرتين الوهابية والسعودية تحت إدارة المخابرات البريطانية، وجرى تكليفها مهمة حماية المشيخات، وتأمين الكيان الصهيوني، بتعزيز الإنقسامات العربية والإسلامية، وقيادة حلف الرجعية بما ترغبه بريطانيا ثم وريثتها أمريكا.

أخضعت الوهابية السعودية الجميع في شبه جزيرة العرب لمشيئتها، وأتمّت دورها الوظيفي فتدخلت ماليّا وعسكريّا وإستدعت “إسرائيل” والمرتزقة في حرب اليمن ضد الثورة الجمهورية والناصرية وضد الثورة التحررية جنوب اليمن وأسهمت بتصنيع الإمارات المتّحدة ومجلس التعاون الخليجي، وإبتلت اليمن بالتخلف والإفقار والتقسيم ونزعت مساحات واسعة من أرضه الغنية.

تعاقدت مع الامريكي لتأمين “إسرائيل” وتآمرت على مصر الناصرية وسورية وموّلت وقادت الإنقلاب على الوحدة المصرية السورية، وفوّضت وموّلت “إسرائيل” في حرب الـ 1967.

تعاظم دورها بعد حرب 1973 والإرتفاعات الفلكية لأسعار النفط ووفرة الأموال، وإستجابت لطلبات ” هنري كيسنجر” وإنخرطت مع مصر السادات بالتآمر على سوريا، ولبنان، وفي مواجهة الإتحاد السوفياتي وحركة عدم الإنحياز، وموّلت تشكيلات السلفية العالمية الإرهابية وزجّتها في أفغانستان وحيث إستدعتها الإستخبارات الأمريكية، وهيمنت على النظام الرسمي العربي في حقبة السعودة والساداتية، وتعاظمت قوتها مع تراجع الحركة القومية والتحررية، فأنشبت مخالبها بكل شاردة وواردة وعزّزت أدواتها الناعمة وأطلقت وهابيّتها التكفيرية وهيمنت على الإعلام، ورعت الإرهاب المتوحّش الناتج عن تزاوج الوهابية والإخوانية، وورّطت وغطّت صدّام بحربه ضد الثورة الإسلامية الإيرانية وفي غزو الكويت وإستدعت الإحتلالات المباشرة بالجيوش والقواعد والأساطيل في حرب عاصفة الصحراء، ثم إنخرطت حتى النخاع في غزو بغداد.

تاريخ بني سعود- تاريخ من التآمر والعدوان والتدخلات الحاقدة في خدمة المشاريع الإستعمارية وتخديم الكيان الصهيوني بما في ذلك إحتواء منظمة التحرير الفلسطينية وتمويل الحرب الأهلية اللبنانية وتصعيد حقبة الحريرية.

أعلنت بسفور إنحيازها “لإسرائيل” وتغطيتها ومشاركتها في حرب تموز وتشكيل محور “الإعتدال العربي” بقياد كونداليزا رايس.

سعّرت الحرب الطائفية والمذهبية في العراق وفي عموم الإقليم ووضعت إيران على جدول أعدائها لمعاقبة الثورة الاسلامية على إنحيازها لخيار المقاومة ونصرة القدس وفلسطين.

أطلق ملوكها المبادرات التسووية لتصفية القضية الفلسطينية وألزموا بها النظام الرسمي العربي ومؤسساته.

أمّنت مصر السادات وحسني مبارك، والممالك في الاردن والمغرب وإمارات ومشيخات النفط وحمتها.

ولعبت الدور الأكثر محورية وخطورة في تحوير الحالة الثورية العربية التي إنطلقت من تونس لتأمين نفسها وحلفائها وموّلت وقادت الحروب على ليبيا والعراق وإيران وفي سوريا على أشد ما يكون من التدخّل المباشر وإرسال الرجال والسلاح والخبراء والأمراء لإدارة غرف العمليات وتأمين تركيا كمنصة لزج عشرات ألاف الإرهابيين في سوريا وغزت بقوات درع الجزيرة البحرين وفرضت أجندتها وعملاءها قسرا وبالقوة القهرية، فأسقطت دستورية نظم سايكس بيكو وحدودها المصطنعة.

توهّمت القيادة السعودية أنّها قادرة على تصفية حلف المقاومة وإجتياح ساحاته، فأعلنت تحالفاً عربيا وإسلاميا وغزت اليمن ودمرته وزادت من افقاره.

سارعت الى محاولة إنقاذ الكيان الصهيوني بالإنفتاح والتطبيع معه في وجه المقاومة وتآمرت على غزّة المحررة، وتبنّت خطة كوشنير لصفقة القرن وبذلت ما إستطاعت لتسويقها واضعة البحرين في الواجهة فيما سمي بورشة البحرين.

إفترض ملوكها وأمراؤها ومشايخ المشيخات أنهم سادة الإقليم والحقبة التاريخية وإنتفخت رؤوسهم، وتوهموا أنّ “إسرائيل” وامريكا تشتغل عندهم وفي خدمتهم، وقدموا الأموال بالقناطير المقنطرة لتعويم الإقتصاد الأمريكي وقطاعاته المأزومة وصناعات السلاح، وأفاضوا في تقديماتهم لترامب…

سقطت كل أوهامهم فالحقائق تصنعها قوى الميدان وقادة الحق وأصحاب البصيرة، ورجال الله في الساحات.

“فإسرائيل” العاجزة والمأزومة تأخذ منهم وتطلب المزيد، وتعاملهم كعبيد لتمرير مشاريعها وتمويل صفقات تصفية القضية الفلسطينية، وترامب لا يرى فيهم إلا أكياس من المال ويصفهم بالبقر الحلوب الى حين يجف الضرع فيصبح الذبح مصيرهم وقالها: لن تطير طائراتهم وسيسقطون خلال أسبوع اذا لم يدفعوا.

ورطتهم في الحرب اليمنية  أفلست خزائنهم، وجعلت أسلحتهم البالغة الكلفة خردة تسقط امام عقل اليمنيين وتقانتهم في سلاح الطيران المسيّر، والصواريخ دقيقة التصويب، وتبيّن أن تحالفهم  مجرد وهم تبدد عند أول ظهور عناصر الهزيمة فتفرقوا أيدي سبأ، وثبت ان إيران أقوى من أن تحاول أمريكا الإشتباك معها، وحلف المقاومة منتصر وصاعد ولا يمكن كسر إرادته بالمال او بالإرهاب المتوحش، والفلسطينيون لا يساومون على تضحياتهم وحقهم بالعودة والتحرير، وتأكد أنّ  التحضّر والعصرنة والإنتقال من إقتصاد الريع النفطي إلى الإنتاجي ليس مجرد أفكار ذهنية وخطط على الورق، والعاب كمبيوتر… فالمستقبل تصنعه إرادة الرجال والوعي والتصميم والحقوق القومية والإجتماعية، ومن هزم أمريكا وهي متحكّمة بالعالم وأعجز “إسرائيل” لا تحدّ من قدراته عنتريّات وأوهام الأمبراطوريات الإفتراضية.

عملية أرامكو، وعملية “نصر من الله”، وإنكشاف ظهر السعودية وتخلي ترامب عن حلفائه، وتمنّعه عن إسنادهم والحرب عنهم ولصالحهم، والتحولات العاصفة الجارية في العراق، وفتح المعابر مع سوريا، وفشل وإنهيار أسعار أسهم أرامكو، وتصاعد الصراع داخل الأسرة ومع القبائل السعودية الأخرى، وإنكشاف إنشغال “إسرائيل” بتوتراتها وأزماتها وعقم الرهان عليها، تضع السعودية على حدّ السكين، ولم يعد من خيارات منطقية لأميرها الساعي إلى الملك إلّا إجراء انعطافة حادّة والعودة صاغرا الى بيت العروبة دمشق، وطلب الصفح والغفران، والسعي لمصالحة دمشق وتقديم الإعتذارات العلنية ودفع الجزية لها من الأموال، ومن تسليم النفوذ والمكانة في لبنان والأردن، وهو الخيار المنطقي الوحيد لولا أن ارتهان القرار السعودي لسيده الأمريكي والإسرائيلي يحول دون ذلك.

 وبإزاء الصراع مع تركيا و”إسرائيل” ويمثل الموقف السعودي المصري وتنشيط الجامعة العربية لرفض الغزوة التركية مؤشرات قوية بهذا الاتجاه، فليس غير دمشق قادرة على رعاية حوار وتفاعل مع إيران ومع محور المقاومة وتأمين التفاهمات ووقف الحملات والإعتداءات وعقلنة السعودية والمشيخات، ولو كان محمد بن سلمان فعلها مع سوريا يدخل العرب والإقليم والمستقبل مساراتٍ وحقبةً جديدةً نوعية.  ولكنه لم يفعل ذلك، بل اختار متابعة السير في ركب الأمريكي والصهيوني من خلال التطبيع مع العدو الغاصب.

الأمر الذي يدفع بالجزيرة العربية نحو الإنفجار الداخلي حيث أن كل العناصر باتت وافرة وتعمل بسرعة كبيرة.

في واقع الحال نتحقّق مما آلت إليه مملكة الرمال ومشيخات النفط:

– أفقد حلف المقاومة وانتصاراته المتراكمة السعودية دورها في قيادة الحقبة العربية والإسلامية وأفشلها وينحسر نفوذها بسرعة البرق.

– إنكشفت حقيقة ان الإرهاب المتوحش – وباء العصر والخطر على إنسانية القرن الواحد والعشرين وقيمها، انما هو منتج وهّابي إخواني تقع المسؤولية الكبرى في إنتاجه على السعودية، ما ألزمها وتحت ضغط ترامب للإنقلاب على وهابيّتها في محاولة لإنتاج إسلام أمريكي ليبرالي وتعميمه بما هو معادٍ لإسلام رسول الله عليه السلام، وما تسعى اليه إدارة محمد بن سلمان من إنفتاح وتخلٍّ عن الإسلام إلا تعبيرا عن خضوع ومحاولة تكيّف قسرية ومتسرعة، قد تنتج أزمة عميقة تطيح بأسباب وأركان نشوء المملكة وإستقرارها المديد،  فالإنقلاب على الوهابية – الاخوانية يصبّ على الجمر باروداً.

– التحول من إقتصاد الريع النفطي الى الإنتاجي وإنشاء واحات ومشاريع عملاقة ومدن التكنولوجيا والترفيه ليست بالأمر السهل ولا تتوفر لمحمد بن سلمان عناصره. فمشروع “نيوم” مأزوم وبيع شركة ارامكو متعثر، والموازنة السعودية عاجزة وتمويلها يجري بالإستدانة والسندات السيادية.

– أمريكا والكيان الصهيوني لا يعملان في خدمة مشايخ النفط والرمال بالقدر الذي يبتزان ويفرضان الجزية، وينهبان ما تبقى من أموال ومدخرات، وقانون “جستا” بالمرصاد يتنظر فرصته لمصادرة أملاك وإستثمارات وودائع السعودية والمشيخات كدول وأفراد في المصارف والأسواق العالمية.

– وحقائق الأزمنة ودروس التاريخ تفعل فعلها فمن يخوض الحروب الكبرى العدوانية والإرتزاقية ويهزم فيها سيحصد الريح والإنهيارات.

في الواقع: إن الأسرة الوهابية فرطت بكل القدرات والإمكانات وتورطت في كل الحروب، وهزمت، ولن يكون في مستقبلها أمل جدّي، وفي حال الإنكفاء، والتراجع عن سدة القيادة، والعجز عن مواجهة الآثار التدميرية وإنعكاسات الهزائم في البنى الداخلية، ولم يعد للأسرة أنصار وحلفاء وقوى إسناد او عناصر قوة حاكمة.

فكيفما بُحث أمر مستقبل السعودية والإمارات والمشيخات، لا يرتسم الا سيناريوهات سلبية تراوح في حدود التالي:

  • الانكفاء ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه- هو جار اليوم في اليمن ومع إيران وسورية والعراق.
  • الإنعطافة الحادة بالتخلي عن الأمريكي الإسرائيلي ومحاولة الإحتماء بالسوري- المصري عربيا، وبالروسي – الصيني عالميا، والتصالح مع إيران.. غير ان الإنعطافات الحادة لا تمر بلا أزمات فأمريكا و”إسرائيل” قوى حاكمة في بنية الأسرة المأزومة والمؤسسات وأمنها، والإنقلاب مغامرة قد لا تتحقق أهدافها.
  • الإستسلام لإيران وحلف المقاومة طلبا للعفو والصفح، وهذه أيضا مخاطرة، فالوهابية والإخوانية – وداعش والنصرة وشقيقاتهما حاضرة في المجتمع وليس من اليسر أن تمرّ خطوة إنعطافيّة حادة وربما تؤدي الى إنفجارات عاصفة في بنية المؤسسة والعائلة والمجتمع وتشكيلاته.

كلّ الخيارات الموفورة أمام الأسرة السعودية ومشيخات الخليج محفوفة بالمخاطر، والنتائج غير المضمونة، والداعشية والإخوانية تتربص بها، والإنقسامات العامودية والصراعات الطائفية والعشائرية والجهوية تشتد وطأتها، وإحتمالات الإنفجار والإنهيار الداخلي قائمة، بما في ذلك ان يضربها الإبتلاء الذي حاولته في سورية والعراق وليبيا من إشاعة الفوضى والتفكك والتدمير، والعدوان على اليمن، فقد عاد الخنجر المسموم الى نحرها.

وبكل حال فشأن الأسرة السعودية المأزومة، كشأن الشجرة اليابسة في الحقل- كما كل جغرافية ونظم سايكس بيكو ووعد بلفور والتعاقد بين الوهابية السعودية والمخابرات البريطانية، قد إنتفت أسبابها وعناصر حمايتها، والجغرافية المصنّعة زال عهدها والزمن يلح لإعادة هيكلة العرب والإقليم نظم وجغرافية على قواعد وموازين جديدة ناتجة من الحروب والأزمات، فكما في السعودية والمشيخات كذلك حال لبنان، والاردن، والمملكة المغربية، والكيان الصهيوني، وان طالت الحقبة الإنتقالية والبقاء في اليباس فبسبب فتور همّة الفلاح لإقتلاعها، وعدم هبوب العاصفة الكفيلة بالمهمة، لكن فعل الزمن والتسوّس يفعل فعله بلا إستئذان، فالمؤكد إن الأسرة السعودية ومشيخات الخليج فقدت القدرة على الفعل التخريبي والقيادة والمبادرة وإبتليت بما حاولت إبتلاء حلف المقاومة وساحته ببلائها.

-أبلت جائحة كورنا بلاء مدمّرا في السعودية فضربتها بعنف وإتساع، وأفقدتها الكثير من قدراتها، واستنزفتها ماليا، وإقتصاديا، وتحولت السعودية معها الى دولة ترمم موازناتها برفع فلكي للأسعار، وفرض المزيد من الضرائب 15% tva، وبمحاولة تهجير الوافدين، والمزيد من المغامرات لاميرها محمد بن سلمان بإستعداء الأسرة وشيوخها وعمومته وفرض الإقامة الجبرية والإستيلاء على أموالهم ومدخراتهم، فقلصت أوهام أميرها في التنمية وأفشلت خطته للنهوض 2030، وإنهار

مشروعه العملاق” نيوم” وباتت الموازنات السعودية تموّل من سندات اليوربوند والديون السيادية، وأدّت مغامرته الحمقاء في إستعداء روسيا في سوق النفط وإغراقه الى إنهيار واردات ودور السعودية المحوري الذي كان وعزز من تحالفها مع امريكا، فتحكّمها بأوبيك وأسعار النفط وإغراق الاسواق إنقلبت حديا ضد السعودية ومكانتها في السوق، بل الأهم من كل ما تقدّم، إن حرب النفط وضعت السعودية ونظامها وإستقرارها في عين العاصفة، وبات شطبها من السوق حاجة حياتيه تتفق عليها روسيا وإدارة ترامب، فحرب أسعار النفط أدّت الى إنهيار الحلم الترامبي بالنفط الصخري وخرجت شركاته من السوق وأعلنت إفلاسها مع خسائر تفيض عن مئتي مليار دولار، وزاد في الأمر إنهيار الأسواق بسبب جائحة كورونا وإعادة هيكلتها للقطاعات والمجالات الاقتصادية، وتخمة السوق من الإنتاج النفطي وحلول الغاز المسال محل النفط في الكثير من القطاعات الإقتصادية، وإنهيار الطلب على النفط العالمي، وباتت المعادلة النفطية عالميا، والنفط مازال احد المحركات الاساسية للتحالفات والحروب، تحتاج الى شطب احد المنتجين الكبار: اما إخراج روسيا من السوق النفطية وهذه مستحيلة، او خروج امريكا وترامب منها وهذه من رابع المستحيلات او إخراج السعودية وهذه أهون الشرور ونقطة إتفاقات مصلحية حياتية بين البوتينيه والترامبية،  الأمر الذي يفسر إنقلاب ترامب على تحالفه مع محمد بن سلمان في وجه الإخوان المسلمين واردوغان الى الضد  فعاد ترامب يراهن على الاخوان واردوغان لإستنزاف روسيا في سورية والعراق والقوقاز وليبيا، ويفوضه بإدارة الحروب والحرائق، وما يفسر لماذا سحب ترامب بطاريات صواريخ الثاد والدفاعات الجوية من السعودية وأعاد الخبراء، وفي هذه المستجدات تعرف حالة السعودية الكمونية وتراجع دورها وحضورها في مختلف الساحات، وإنكفائها على معالجة ازماتها، بما في ذلك محاولاتها ترقيد وتبريد حربها في اليمن إتقاء لقوة الحوثين وسلاحهم الصاروخي والجوي المسير.

الخلاصة:

ان كل الجاري وما جرى وما سيكون يدل على طريق واحدة امام السعودية لتحمي نفسها وأسرتها، تكمن في التوجه عربيّا وإستجداء إستعادة علاقة متينة مع سورية وعبر مصر لتسوية أمورها مع إيران وحلف المقاومة المتعاظم الشأن والقوة، وبغير هذا الخيار فالسعودية الى الفوضى والتدمير والإنهيار وقد اصبح تفجيرها حاجة امريكية اولا وروسية وعالمية في كل الأحوال والأزمنة.

هذا ناهيكم عن إن كل ما ذكر عن السعودية فقد انعكس كذالك على الدول العربية الخليجية (المشيخات) وخاصة على الكويت والبحرين بنسبة اكبر،وزاده من حدة التذمّر والسخط الشعبي العام.

من ما ادّى الى ان يطلق المقاومين والنشطاء والنخب السياسية مشروع إعلان جنيف في عام 2017 لتحول مشيخات دول الخليج العربية الى ملكيات دستورية، وفقة خارطة طريق شكلت ورقة سياسية ومشروع متكامل لإنقاذ شعوب هذه الدول.

والشعوب الخليجية تطلع وتطلب من دول المحور المقاوم دعم مطالبها ومساعدتها من اجل تحقيق ذلك. 

 

 

  • الجمهورية الإسلامية الإيرانية

 قوة المقاومة وبيئة إسنادها وتأمينها – تصمد وتبني وتنتصر-   في طور الإنتقال من إستراتيجية الدفاع الإستراتيجي الى الهجوم الإستراتيجي… :-

وقعت الثورة الإسلامية وتطوراتها وإنتصارها وقع الصاعقة على الرؤوس، واحدثت زلزالا غيّر ما قبله في المسلمين والعرب وفي محاور وعتلات تطور الاحداث في الإقليم والعالم.

فعاكست زمن امريكا وسيطرتها، وعوضت عن إنهيار الإتحاد السوفياتي، وعن إنخراط مصر في مشروع تصفية القضية المركزية، وتساندت مع سورية المقاومة، وإنخرطت في الصراع مع “إسرائيل” الشيطان الاصغر وامريكا الشيطان الاكبر، وصمدت بصلابة في وجه حرب ظالمة شنها صدام حسين بأوامر أمريكية اسرائيلية وتمويل خليجي وشراكة أوروبية، وفرضت خياراتها السيادية والاستقلالية والاجتماعية، وبرغم اشد واطول حصار ظالم تعرضت له ومحاولات إستفزازٍ وحروبٍ في كل جنباتها ومصالحها نجحت بإبداع في بناء قاعدة صناعية صلبة ودخلت عصر الفضاء والنادي النووي، وتقدمت علميا وتكنولوجيا وتحتل أعلى المراتب بمنتجاتها وبتصنيفها…

فاوضت بإبداع ثوري وطول اناة وإنتزعت مكانتها وأقر لها العالم بما بلغته، وأسهمت على نحو بالغ الأهمية بإستعادة القضية الفلسطينية وإستحضار القدس في الثقافة العامة والشعبية، وموّلت وسلحت ودافعت عن المقاومات في لبنان وفلسطين والعراق واليمن وحيث دعت الحاجة وإستوجب الجهد.

ناورت ولم تغير في قيمها وثوابتها وشعاراتها وجهدها ووضعت تحت تصرف العرب والمسلمين كل ما بلغته وما انتجته من خبرات وعلوم وقيم ومنتجات طبية تقنية وفضائية وبالسلاح متقدم، وعملت وتعمل على الوحدة الإسلامية، وتدير حوار الطوائف والمذاهب، وتحاور الثقافات والحضارات، واثقة من نفسها وقدراتها ومشروعاتها، لم تغير ولم تتغير في جوهرها، واجهت العسف والظلم والحصار الشديد وحفظت وحدتها القومية، واسهمت في تطوير اسيا ونهوض أوراسيا وتشكل أحد أعمدتها ومحاورها الصاعدة.

جاوزت بتقانة وحنكه خطر الإنجرار الى الحروب المذهبية ولم تسمح بشق الامة وإحترابها الطائفي والمذهبي، والإثني، وبذلت المستحيل لمساندة سورية والقتال معها بصلابة وبوحدة الهدف والمصير، وتقف اليوم شامخة كالطود في وجه امريكا وتفشل مخططاتها وإستراتيجياتها وحشودها العسكرية في الخليج، وبلاد العرب والمسلمين، وترد الصاع صاعين في حرب المضائق والناقلات، وتحمي سيادتها في الجو والبحر والارض بالقوة وبالسلاح المصنع محليا وتسقط افضل طائرات التجسس الامريكية واكثرها كلفة، ولا تتردد، او تتوهن، ولا تقبل عودة التفاوض مع الأمريكي إلا في إطار ندية العلاقات وإعادة تطبيق الاتفاق النووي وبشروطها، وإلا فهي جاهزة لكل الإحتمالات ومن ضمنها الرد بالقوة على أي اعتداء يمس بها، وتدير تفاوض محكم ومحنك مع الإتحاد الاوروبي سعيا لتصليبه في وجه الصلف والعدوانية الترامبية ولإنتزاعه من الإملاءات الامريكية، وتزيد في التخصيب وتقرر خطوات الرد على عدم تنفيذ الإتفاق، على وقع حاجاتها، واثقة غير مستعجلة، واعية غير عصابية، فاعلة غير منفعلة.

وفي بنيتها الداخلية أتقنت إدارة تفاعل وحداتها واطيافها بروح إسلامية ثورية خلاقة، ونجحت في إحتواء تحولاتها ووظفتها في خدمة مشروعها وصعودها وتمكنها من زمنها ومن بيئتها ومصالحها وامنها القومي والإقليمي.

منطقها الحوار والتفاعل والتشبيك بدل الإشتباك، ومداورة العدو، وحماية الحليف والصديق ودائمة التقدم بإقتراحات وبرامج الحوار والتفاهم مع محيطها لا تقطع خيط صلةٍ وتستجيب لكل إستغاثة وسعي للحوار.

وفي خلاصة تجربتها تقدم نموذجا راقيا، يعتدّ به ويقلد، وقد حققت بالصبر والمثابرة وتضحيات شعبها وحكمة قادتها وتضحيات جندها وفصائلها الثورية، وحلفائها، نموذج حيوي من التفاعل والقتال المشترك وتحمل التبعات لإفشال مخططات العدوان الامريكي الإسرائيلي وتحالفاته، ولم تتخلى في أحلك الظروف عن القدس وهدف تحريرها، وتحرير فلسطين من بحرها لنهرها، ولم تساوم او تتخلى عن إسناد الشعب الفلسطيني ومقاومته.

وعلى ما تأسّست عليه، ما زالت وتستمر، وبما حققته وبالإنتصارات الثمينة التي انجزتها كشريك محوري في حروب المقاومات وإنجازاتها، وفي مواجهتها الصلبة والعلنية الإذلالية لتطاولات الكيان الصهيوني وللتحرشات الامريكية البريطانية العدوانية، تصنع وتصيغ ملامح مستقبل منير لها ولحلف المقاومة ولأمم الإقليم وتسهم بفاعلية مشهودة في إنضاج شروط تحرر شعوب وامم الإقليم من الخنوع للقوى العالمية الباغية ومصالحها التدميرية، وسيكون لها إسهام فعال ونوعي تأسيسي فيما سترسو عليه المعادلات، وفي إعادة هيكلة النظم والجغرافيا في العرب والإقليم كصانع محترف ومنتصر في الحرب العالمية العظمى الجارية في جغرافيا العرب والمسلمين ومعهم وإيران في القلب من فعل المقاومة وصناعة النصر.

فعلى غير ما تحاوله آلة الدعاية والفبركات العدوانية ومؤسساتها ووسائطها تقترب إيران من فك الحصار عنها، وإلزام المعتدين بالانكفاء، والرحيل، وقد أمنت نفسها على نحو معقول في التحالف الاستراتيجي العميق مع أوراسيا، وفي تبادلاتها التجارية والإقتصادية مع جيرانها، وتنجح في التملص من العقوبات والضغوطات لتؤمن شعبها وحاجاته بعزة وكفاءة، وتعوضه ما يستحقه.

  وحققت نقلة نوعية إستراتيجية بإسنادها فنزويلا بالمشتقات النفطية والإغاثة الغذائية وبالمعدات اللازمة لإصلاح قطاع الكهربا وتكرير النفط، وأبحرت قوافلها وحاملاتها الى الكاريبي على مقربة ضربة حجر من أمريكا وكسرت هيمنتها وسطوتها البحرية ومن قبل الجوية في الخليج ، وإنتصرت في حرب الناقلات والممرات، وأبحرت بواخرها في قناة السويس وأمنت سورية من النفط وتعرض تأمين لبنان من حاجاته الغذائية والمشتقات والكهرباء، والتبادلات البينية بالعملات الوطنية، وأعلنت مع سورية نظم سلاحي الدفاع الجوي للسيطرة على سماء الإقليم وابعد من ذلك، وتعاقدت مع الصين على إعادة البناء والنهوض والتعاون الإستراتيجي الإقتصادي والعسكري ووقعت عقود فلكية بقيمة 400 مليار دولار تؤمن الصين في الحرب الإقتصادية مع أمريكا، وتطلق صفارات قطار الطريق والحزام وتؤمن نفسها من العقوبات والتحرشات، وتقطع على أمريكا إستراتيجيات إرباكها بالأزمات التموينية وإفتقاده للعملات الاجنبية، والحد من الصادرات النفطية والغذائية، والصناعية التي إتقنتها وبذلك وبخطوات عملية محكمة ونوعية في أزمنتها وأمكنتها تعلن انها في طور الإنتصار وقد طوعت الظروف والمعطيات وتجاوزت ما أعد لها من مؤامرات في العراق ومن السعودية وإمارات الخليج، وحسمت في أمر التوترات الداخلية الإجتماعية التي حاولتها وتحاولها أمريكا وقد باتت حصينة بل مبادرة وهجومية.

وعلى ما هي وقد باتت دولة إقليمية علمية تكنولوجية وصناعية وفضائية ونووية صاعدة وكاملة المواصفات، قادرة وتتقدم، ستكون في قلب تحولات الإقليم ومشروعات أوراسيا، وشريكة في تأسيس النظام الإقليمي المأمولة ولادته وشريكة محورية في إعادة تشكيل النظام العالمي الجديد.

وبإعتبارها دولة المقاومة وتأمينها وبالتحالف الإستراتيجي النضالي مع سورية وفصائل المقاومة العربية والاسلامية الفاعلة في ساحات وميادين الحروب، والحلف النضالي المعمد بشراكة الدم والدموع والتضحيات الجسام، قادرة مع سورية قلب العروبة وقبضة المقاومة على إدارة حوار تفاعلي مع العرب ومع الكرد والترك وشعوب اسيا الوسطى وبلاد البحور الخمسة لإنجاز مهمة طرد وتصفية النفوذ الامريكي الصهيوني والتأسيس لتفاهمات وانتاج مشروع إتحاد عصري مصلحي بين أمم وشعوب الإقليم يقوم على التفاهمات والتفاعل وتبادل المنافع والمصالح بعيدا عن العدوانية ووهم السيطرة والإستتباع.

ويزيد من فرص إيران وتمكّنها، نصرها الكبير في ثلاث حروب إستراتيجية: حرب الناقلات، وحرب البحار والممرات، وحرب الحصارات وقد سدّدت ضربةً عسكريةً متقنةً ونوعيّةً وقاتلةً للأمريكي وعسكريته وتقانته، وكشفته عاجزاً وغير قادرٍ على خوض الحروب أو تشكيل تحالفات دولية وإقليمية لحماية الناقلات والممرات.

يعتبر إسقاط الطائرة التجسّسية الأمريكية حدث كبير الأهمية والدلالات كما تحرير حاملة النفط التي احتجزت في مضيق طارق ويضاف الى التحولات في العراق وفي قوة الحوثيين عناصر نوعية إضافية في الدلالة على ما بلغته إيران وما ستكون عليه من قوة إقليمية محورية ونقطة إستناد نوعية في بناء مستقبل الإقليم والعرب والعالم، ويزيد تحوّلها الى المنصة الثالثة لصعود أوراسيا.

5- القارة السمراء واعدة –  وجمهورية الثورة في جنوب أفريقيا تتعزز:

في زمن الإنهيارات والتحولات العاصفة وبعد سقوط الإتحاد السوفياتي وتفكك منظومته وتراجع حركات الشعوب والتحرر الوطني والإجتماعي وقبض الليبرالية الأمريكية الإحتكارية والعدوانية على العالم وحراكه وقدراته وإقتصاديّاته، شكل إنتصار الثورة التحررية الإجتماعية والسيادية الوطنية في جنوب أفريقيا بقيادة القائد التاريخي المرموق مانديلا ورفاقه في حزب المؤتمر ومناضلي الشعب الجنوب أفريقي الأشداء والصلبين بإنتصارهم في إلغاء نظام الفصل العنصري وإنجاز المصالحة الوطنية الإبداعية والتاريخية كنموذج ثوري في تفاعل الشعوب وقدرتها على الغفران، والعيش المشترك لإنتاج وصياغة الواقع والتأسيس للمستقبل، حققت قفزة هائلة، وأنارت طريق الحركات التحررية وتطلع الامم والشعوب للسيادة والحرية وشكلت بارقة أمل للفقراء والمستضعفين والمهمشين وأكدت أن الزمن والتطورات والحقائق تصنعها الشعوب وكفاحيّتها، ولن يحول دونها أية قوة مهما كانت عنصرية وعاتية، وشكل الإنتصار، وتمكن الجمهورية الفتية من سيادتها وثرواتها ونهضتها الإقتصادية الإجتماعية وتحولها الى قوة قائدة في نموذجها للقارة السمراء، وفي إنفتاحها وتبنيها لقضايا الامم والشعوب ولقضية فلسطين والحق بالمقاومة والتحرير وبما قدمته للحركة العالمية المناهضة للعولمة حيث شهد مؤتمر “دوربان” التحول التاريخي الذي أسقط وعرّى قواعد وقوانين منظمة التجارة العالمية الظالمة.

وبما هي عليه جمهورية جنوب أفريقيا من قوة حاملة لمشروع ونموذج حافز لتحرير أفريقيا وتفاعلها مع شعوب وأمم اقليمها تلعب دورا مقاوما ومحوريا في تقليص حجم النفوذ الامريكي والاوروبي الصهيوني وتؤمن أفريقيا في علاقات إقتصادية تكاملية معها ومع أوراسيا، لتنهض القارة وتمتلك زمامها وتتمكن من ثرواتها الهائلة، وبمستوى ومنسوب علاقة جمهورية جنوب أفريقيا مع حلف المقاومة و أوراسيا تتشكل محورا متقدما وفاعلا  نظيرا لما هو جار في اسيا والعرب والعالم الإسلامي لجهة إستكمال التحولات الإقليمية والعالمية لصناعة عالم جديد خال من هيمنة الليبرالية العدوانية ونموذجها وحروبها، وتقف جنوب أفريقيا وشعوب القارة بالمرصاد لمحاولات توطين الإرهاب المتوحش في دولها لتفتيتها ومنع تحررها ونهضتها فكما إنتصر حلف المقاومة وهزم مصانع الإرهاب وصناعه الكبار أمريكا و”إسرائيل” وحلفائهم، وهزم الإرهاب الصغير المتوحش كذلك ستنجح أفريقيا وشعوبها.

—————-

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى